ذكر إعلامه - صلى الله عليه وسلم - بالليل بأن أبا سفيان في الأراك وأمره بأخذه
روى عن الطبراني أبي ليلى - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر [ ص: 215 ] الظهران ، فقال : «إن أبا سفيان بالأراك فخذوه” فدخلنا ، فأخذناه .
قال ابن عقبة : فبينما هم ، يعني أبا سفيان ،
وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء كذلك لم يشعروا حتى أخذهم نفر كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثهم عيونا له ، فأخذوا بخطم أبعرتهم فقالوا : من أنتم ؟ فقالوا : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فقال أبو سفيان : هل سمعتم بمثل هذا الجيش ، نزلوا على أكباد قوم لم يعلموا بهم .
وروى عن ابن أبي شيبة أبي سلمة ، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب - رحمهما الله تعالى - قالا : أخذ أبو سفيان وأصحابه وكان حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر من الأنصار ، وكان - رضي الله عنه - تلك الليلة على الحرس ، فجاؤوا بهم إليه ، فقالوا : جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة ، فقال عمر بن الخطاب وهو يضحك إليهم : والله لو جئتموني عمر بأبي سفيان ما زدتم . قالوا : قد والله آتيناك بأبي سفيان . فقال : احبسوه فحبسوه حتى أصبح . فغدا به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن عقبة : لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه ، لقيهم فأجارهم . العباس بن عبد المطلب ،
وروى عن ابن أبي شيبة عكرمة : أن أبا سفيان لما أخذه الحرس قال : دلوني على فأتى العباس فأخبره الخبر ، وذهب به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم . العباس ،
وروى - بسند صحيح عن إسحاق بن راهويه - رضي الله عنهما - ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل مر الظهران ، رقت نفس لأهل العباس مكة فقال : واصباح قريش ، والله لئن دخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر ،
قال فأخذت بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشهباء فركبتها ، وقلت : العباس :
ألتمس حطابا ، أو صاحب لبن ، أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة ، فو الله إني لفي الأراك ألتمس ما خرجت إليه إذ سمعت كلام أبي سفيان ، وبديل بن ورقاء ، وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول : ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا! فقال بديل بن ورقاء : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب ، فقال أبو سفيان : خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها ، قال فعرفت صوت العباس : أبي سفيان ، فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي ، فقال : لبيك يا أبا الفضل ، ما لك فداك أبي وأمي!! وعرف صوتي ، فقلت : ويلك!! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عشرة آلاف فقال : واصباح قريش والله بأبي أنت وأمي فما تأمرني ، هل من حيلة ؟ قلت : نعم ، اركب عجز هذه البغلة ، [ ص: 216 ] فأذهب بك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستأمنه لك ، فإنه والله إن ظفر بك دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتقتلن ، فركب خلفي ، ورجع صاحباه - كذا في حديث وعند ابن عباس ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر : أنهما رجعا - وذكر ابن عقبة ، ومحمد بن عمر في موضع آخر :
أنهما لم يرجعا ، وأن قدم بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى . العباس
قال فجئت العباس : بأبي سفيان ، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا : من هذا ؟
فإذا رأوا بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عليها قالوا : عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته ، حتى مررت بنار - رضي الله عنه - فلما رآني ، قام ، فقال : من هذا ؟ قلت : عمر بن الخطاب فذهب ينظر ، فرأى العباس ، أبا سفيان خلفي ، فقال : أي عدو الله!! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء ، فاجتمعنا على باب قبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل على أثري ، فقال عمر يا رسول الله!! هذا عمر : أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني فلأضرب عنقه ، قال قلت : يا رسول الله إني قد أجرته ، ثم التزمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذت برأسه ، فقلت : والله لا يناجيه الليلة دوني رجل . فلما أكثر في شأنه ، فقلت : مهلا يا عمر فو الله لو كان من رجال عمر ، بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف ، فقال : مهلا يا وفي لفظ يا عباس ، أبا الفضل ، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب لو أسلم .
وذكر ابن عقبة ، ومحمد بن عمر في موضع آخر : قال فقلت : يا رسول الله!! العباس ، أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء قد أجرتهم ، وهم يدخلون عليك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «أدخلهم” فدخلوا عليه ، فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاهم إلى الإسلام ، فقالوا : نشهد أن لا إله إلا الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
«اشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله” ، فشهد بديل ، وحكيم بن حزام ،
وقال : أبو سفيان : ما أعلم ذلك ، والله إن في النفس من هذا لشيء بعد ، فأرجئها .
وعند أبي شيبة عن أبي سلمة ، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : لحكيم بن حزام : بايع ، فقال : أبايعك ولا أخر إلا قائما . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أما من قبلنا فلن تخر إلا قائما” . انتهى . [ ص: 217 ] أنه قيل
وقيل لأبي سفيان ذلك ، فقال : كيف أصنع باللات والعزى ؟ فقال - وهو خارج القبة : اخرأ عليها ، أما والله لو كنت خارج القبة ما قلتها ، فقال عمر بن الخطاب أبو سفيان : من هذا ؟
قالوا : عمر بن الخطاب
قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اذهب به العباس : يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتني به” قال : فذهبت به إلى رحلي .
وعند ابن عقبة ، ومحمد بن عمر : فلما أذن الصبح أذن العسكر كلهم : أي أجابوا المؤذن - ففزع أبو سفيان من أذانهم ، فقال : ما يصنع هؤلاء ؟ قال فقلت : الصلاة . قال : العباس ،
كم يصلون ؟ قلت : خمس صلوات في اليوم والليلة ، ثم رآهم يتلقون وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما رأيت ملكا قط كاليوم لا ملك كسرى ولا قيصر ، قال فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح غدوت به . وعند العباس : ابن عقبة ، ومحمد بن عمر : إن أبا سفيان سأل في دخوله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعند العباس عن ابن أبي شيبة أبي سلمة ، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : فلما أصبحوا قام المسلمون إلى طهورهم ، فقال أبو سفيان : يا أبا الفضل!! ما للناس أمروا في بشيء ؟ قال : لا ولكنهم قاموا إلى الصلاة ، فأمره العباس فتوضأ ، وذهب به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة كبر وكبر الناس ، ثم ركع ، فركعوا ، ثم رفع ، فرفعوا ، ثم سجد فسجدوا ، فقال أبو سفيان : ما رأيت كاليوم طاعة ، قوم جمعهم من ههنا وههنا ، ولا فارس الأكارم ، ولا الروم ذات القرون بأطوع منهم له ، يا أبا الفضل أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك ، فقال إنه ليس بملك ، ولكنها النبوة ، قال : أو ذاك . العباس :
قال العباس : فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ ! قال : بأبي أنت وأمي!! ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! إنه لو كان مع الله إله لقد أغنى عني شيئا بعد ، لقد استنصرت إلهي ، واستنصرت إلهك ، فو الله ما لقيتك من مرة ، إلا نصرت علي ، فلو كان إلهي محقا وإلهك مبطلا لقد غلبتك ، فقال : «ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! أما هذه فو الله إن في النفس منها شيئا حتى الآن ،
فقال ويحك! أسلم قبل أن تضرب عنقك فشهد شهادة الحق ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . وظاهر كلام العباس : ابن عقبة ومحمد بن عمر في مكان آخر إن أبا سفيان قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله من غير أن يعرض ذلك عليه أحد .
قال : قال أبو سفيان ، يا رسول الله جئت بأوباش الناس من يعرف ومن لا يعرف إلى أهلك وعشيرتك! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنتم أظلم وأفجر ، قد غدرتم بعهد الحديبية ، وظاهرتم على وحكيم بن حزام : بني كعب بالإثم والعدوان في حرم الله - تعالى - وأمنه” فقال حكيم وأبو سفيان : صدقت يا رسول الله : ثم قالا :
يا رسول الله!! لو كنت جعلت جدك ومكيدتك لهوازن ، فهم أبعد رحما ، وأشد عداوة لك . [ ص: 218 ]
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إني لأرجو من ربي أن يجمع لي ذلك كله . فتح مكة ، وإعزاز الإسلام بها ، وهزيمة هوازن ، وغنيمة أموالهم وذراريهم ، فإني أرغب إلى الله - تعالى - في ذلك
“ .
قال ابن عقبة : قال أبو سفيان ، يا رسول الله ادع الناس بالأمان ، أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نعم” وحكيم بن حزام :
قال العباس ، قلت :
يا رسول الله!! قد عرفت أبا سفيان وجه الشرف والفخر ، فاجعل له شيئا .
وعند عن ابن أبي شيبة أبي سلمة ، ويحيى بن عبد الرحمن : أن قال : أبا بكر أبي سفيان بأعلى مكة ، ودار حكيم بأسفلها «ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن” فقال أبو سفيان : وما يسع المسجد ؟ قال : «ومن أغلق بابه فهو آمن” فقال أبو سفيان : هذه واسعة . يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب السماع ، يعني الشرف - انتهى . فقال «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن” فقال : وما تسع داري ؟ زاد ابن عقبة «ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن” ودار