ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - الظهر بحنين وحكومته بين عيينة بن حصن والأقرع بن حابس في دم عامر بن الأضبط الأشجعي الذي قتله محلم بن جثامة
كما سيأتي
في نقل محمد بن إسحاق ، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا : عيينة بن حصن يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي وهو يومئذ سيد قيس ومعه الأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة لمكانه من خندف فاختصما بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعيينة يقول : يا رسول الله ، والله لا أدعه حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تأخذ الدية ؟ ” فأبى عيينة حتى ارتفعت الأصوات وكثر اللغط ، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل - قصير مجتمع عليه شكة كاملة ودرقة في يده فقال : يا رسول الله ، إني لم أجد لما فعل هذا شبها في غرة الإسلام إلا غنما وردت فرمي أولها فنفر آخرها . فاسنن اليوم وغيره غدا فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده وقال تقبلون الدية خمسين في فورنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة” فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقوم حتى قبلوا الدية
وفي رواية : فقام الأقرع بن حابس فقال : يا معشر قريش ، سألكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه ، أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيغضب الله - تعالى عليكم - لغضبه ، أو يلعنكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيلعنكم الله تعالى بلعنته ، والله لتسلمنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ليأتين بخمسين من بني [ ص: 340 ] ليث كلهم يشهدون أن القتيل ما جلي قط فلأبطلن دمه . فلما قال ذلك قبلوها . ومحلم القاتل في طرف الناس ، فلم يزالوا يؤزونه ويقولون : ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك ، فقام محلم وهو رجل ضرب طويل آدم . محمر بالحناء عليه حلة قد كان تهيأ فيها للقتل للقصاص ،
فجلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعيناه تدمعان ، فقال : يا رسول الله ، قد كان من الأمر الذي بلغك وإني أتوب إلى الله ، فاستغفر لي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ما اسمك” قال : أنا محلم بن جثامة . فقال «أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام ؟ ! اللهم لا تغفر لمحلم” بصوت عال ينفذ به الناس ، قال فعاد محلم فقال : يا رسول الله ، قد كان الذي بلغك ، وإني أتوب إلى الله فاستغفر لي ، فعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم لمقالته بصوت عال ، ينفذ به الناس «اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة” حتى كانت الثالثة ، فعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم لمقالته ، ثم قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم «قم من بين يدي” فقام من بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه ،
فكان ضمرة السلمي يحدث - وقد كان حضر ذلك اليوم - قال : كنا نتحدث فيما بيننا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرك شفتيه بالاستغفار له ، ولكنه أراد أن يعلم الناس قدر الدم عند الله تعالى . صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر يوما بحنين ثم تنحى إلى شجرة فجلس إليها ، فقام إليه