ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على عدم فتح الطائف حينئذ وإذنه بالرجوع واشتداد الرجوع على الناس قبل الفتح
قال ابن إسحاق : وبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر : "إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك ، فهراق ما فيها" فقال أبو بكر : ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "وأنا لا أرى ذلك" .
وروى محمد بن عمر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف ، استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوفل بن معاوية الديلي - رضي الله عنه - فقال : "يا نوفل ما ترى في المقام عليهم" قال : يا رسول الله ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته ، وإن تركته لم يضرك .
قال ابن إسحاق : ثم إن خولة بنت حكيم السلمية ، وهي امرأة عثمان بن مظعون ، قالت :
يا رسول الله ، أعطني ، إن فتح الله عليك الطائف - حلي بادية بنت غيلان ، أو حلي الفارعة بنت عقيل - وكانتا من أحلى نساء ثقيف - فروى : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : "وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة ؟ " فخرجت خولة ، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة ؟ " زعمت أنك قلته ؟ قال "قد قلته" قال "أوما أذن فيهم" قال : "لا" قال : أفلا أؤذن الناس بالرحيل ؟ قال :
"بلى" فأذن عمر بالرحيل . [ ص: 388 ]
وروى الشيخان عن ابن عمرو أو ابن عمر - رضي الله عنهم - قال : لما حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف ولم ينل منهم شيئا قال "إنا قافلون غدا إن شاء الله تعالى" فثقل عليهم ، وقالوا :
أنذهب ولا نفتح ؟ وفي لفظ فقالوا : لا نبرح أو نفتحها ، فقال : "اغدوا على القتال" فغدوا فقاتلوا قتالا شديدا ، فأصابهم جراح ، فقال : "إنا قافلون غدا إن شاء الله تعالى" قال : فأعجبهم ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عروة - رحمه الله تعالى - كما رواه البيهقي - وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن لا يسرحوا ظهرهم ، فلما أصبحوا ، ارتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ودعا حين ركب قافلا وقال : "اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم" .
وروى الترمذي - وحسنه عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال يا رسول الله أحرقتنا نار ثقيف ، فادع الله - تعالى - عليهم فقال : "اللهم اهد ثقيفا وأت بهم" .
قال ابن إسحاق في رواية يونس وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصر أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك ثم انصرف عنهم ولم يؤذن فيهم ، فقدم وفدهم في رمضان فأسلموا ، قلت : وسيأتي بيان ذلك في الوفود إن شاء الله تعالى . قال ابن إسحاق في رواية زياد : "وحاصرهم بضعا وعشرين ليلة ، وقيل : عشرين يوما وقيل : بضع عشرة ليلة" قال ابن حزم : وهو الصحيح بلا شك .
وروى الإمام أحمد ، ومسلم عن أنس أنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة واستغربه في البداية .
قال محمد بن عمر : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين أرادوا أن يرتحلوا : "قولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده" فلما ارتحلوا واستقبلوا قال : "قولوا آئبون ، إن شاء الله تائبون عابدون لربنا حامدون" .


