ذكر عزمه - صلى الله عليه وسلم - على قتال الروم وبيان ذلك للناس
لما وكان ذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد ، وحين طابت الثمار ، والناس ، يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على تلك الحال من الزمان الذي هم عليه ، وبين - صلى الله عليه وسلم - للناس مقصده ، وكان - صلى الله عليه وسلم - قل أن يخرج في غزوة إلا كنى عنها وورى بغيرها إلا ما كان من غزوة عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتال الروم عام تبوك ، تبوك ، فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له ، ليتأهب الناس لذلك أهبته ، فأمر الناس بالجهاز ، ودعا من حوله من أحياء العرب للخروج معه ، فأوعب معه بشر كثير ، وبعث إلى مكة ، وتخلف آخرون ، فعاتب الله - تعالى - من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين ، ووبخهم وبين أمرهم ، فقال سبحانه وتعالى : يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير [التوبة 38 ، 39] ثم قال تعالى : انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون [التوبة 41 ، 42] إلى آخر الآيات .
وروى ، ابن شيبة ، والبخاري وابن سعد عن - رضي الله عنه - قال : كعب بن مالك تبوك فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قيظ شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ، وغزى وعددا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم ، وأخبرهم بوجهه الذي يريده . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ، حتى كانت غزوة