ذكر تبوك إلى نحو دمشق مشاورته - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في مجاوزة
قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى : شاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في التقدم ، فقال : يا رسول الله ، إن كنت أمرت بالمسير فسر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو أمرت بالمسير لما استشرتكم فيه فقال : يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة ، وليس بها [ ص: 462 ] أحد من أهل الإسلام ، وقد دنونا منهم ، وقد أفزعهم دنوك ، فلو رجعنا هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله لك أمرا عمر بن الخطاب .
وروى وغيره بسند جيد عن البيهقي عبد الرحمن بن غنم : وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا [الإسراء 76 ، 77] فأمره الله تعالى بالرجوع إلى المدينة وقال : فيها محياك ومماتك ومنها تبعث .
فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره جبريل فقال : اسأل ربك عز وجل ، فإن لكل نبي مسألة - وكان جبريل له ناصحا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له مطيعا ، قال : "فما تأمرني أن أسأل" قال : وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا أن اليهود أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فقالوا : يا أبا القاسم ، إن كنت صادقا أنك نبي فالحق بالشام ، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء ، فصدق ما قالوا ، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام ، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة
[الإسراء 80] فهؤلاء الآيات أنزلت عليه في مرجعه من تبوك .
وفي هذه الغزوة قال - صلى الله عليه وسلم -
ما رواه عكرمة عن أبيه أو عن عمه عن جده - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة تبوك : ، وإذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها رواه الإمام أحمد من طرق والطبراني
قال في بذل الطاعون يشبه - والله أعلم - أن يكون السبب في ذلك أن الشام كانت قديم الزمان ولم تزل معروفة بكثرة الطواعين ، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - تبوك غازيا الشام لعله بلغه أن الطاعون في الجهة التي كان يقصدها ، فكان ذلك من أسباب رجوعه من غير قتال - والله أعلم . انتهى .
قلت : قد ذكر جماعة أن طاعون شيرويه أحد ملوك الفرس ، كان في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنه كان بالمدائن .