ذكر أمر مسجد الضرار عند رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك
روى عن ابن إسحاق أبي رهم كلثوم بن الحصين الغفاري ، ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق آخر . وابن مردويه في الدلائل عن والبيهقي - رضي الله عنه - ابن عباس وابن أبي حاتم وابن مروديه عن طريق آخر عن ، ابن عباس عن وابن المنذر سعيد بن جبير ومحمد بن عمر عن يزيد بن رومان - رحمه الله تعالى - أن بني عمرو بن عوف بنوا مسجدا فبعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيهم فيصلي فيه ، فلما رأى ذلك ناس من بني غنم بن عوف فقالوا : نبني نحن أيضا مسجدا كما بنوا ، فقال لهم أبو عامر الفاسق قبل خروجه إلى الشام : ابنوا مسجدكم واستمدوا فيه بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجيش من الروم فأخرج محمدا وأصحابه ، فكانوا يرصدون قدوم أبي عامر الفاسق ، وكان خرج من المدينة محاربا لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغوا من مسجدهم أرادوا أن يصلي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليروج لهم ما أرادوه من الفساد والكفر والعناد ، فعصم الله تبارك وتعالى [ ص: 471 ] رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة فيه ،
فأتى جماعة منهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوجه إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه قال : "إني على جناح سفر وحال شغل ، وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا لكم فيه" فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك ونزل بذي أوان - مكان بينه وبين المدينة ساعة - والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا أنزل الله سبحانه وتعالى :
[التوبة 107] الآية .
روى في الدلائل البيهقي عن - رضي الله تعالى عنهما - في قوله تعالى : ابن عمر
والذين اتخذوا مسجدا ضرارا هم أناس من الأنصار ، ابتنوا مسجدا ، فقال لهم أبو عامر :
ابنوا مسجدكم واستمدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآتي بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه ، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : فرغنا من بناء مسجدنا [ونحن نحب] أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة ، فأنزل الله عز وجل : لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم - يعني مسجد قباء - أحق أن تقوم فيه فيه رجال إلى قوله : شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين [التوبة 109] قال الحافظ بن حجر : والجمهور على أن المسجد المراد به الذي أسس على التقوى مسجد قباء ، وقيل هو مسجد المدينة . قال : والحق أن كلا منها أسس على التقوى .
وقوله تعالى - في بقية الآية فيه رجال يحبون أن يتطهروا يؤكد أن المسجد مسجد قباء .
قال وغيره : ليس هذا اختلافا ، فإن كلا منهما أسس على التقوى ، وكذا قال الداودي السهيلي وزاد أن قوله : من أول يوم يقتضي مسجد قباء ، لأن تأسيسه كان من أول يوم وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - بدار الهجرة .
وروى ، ابن أبي شيبة وابن هشام عن عن أبيه قال : عروة كان موضع مسجد قباء لامرأة يقال لها ليه كانت تربط حمارا لها فيه ، فابتنى سعد بن خيثمة مسجدا ، فقال أهل مسجد الضرار : نحن نصلي في مربط حمار ليه ؟ لا لعمر الله ، لكنا نبني مسجدا فنصلي فيه ، وكان أبو عامر بريء من الله ورسوله ، ولحق بعد ذلك بالشام فتنصر فمات بها ، فأنزل الله تعالى :
والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا [التوبة 107] . قال : هذا المسجد بناه المنافقون مضاهيا ابن النجار لمسجد قباء ، وكانوا مجتمعين فيه يعيبون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستهزئون به ، [ ص: 472 ] وقال ابن عطية : روي عن أنه قال : المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمراد بقوله أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله وهو ابن عمر مسجد قباء ، وأن فهو مسجد الضرار بالإجماع . البنيان الذي أسس على شفا جرف هار
قال ، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا : ابن إسحاق خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد ، ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف أخو من سهل بن حنيف بني عمرو بن عوف ، وجارية بن عامر ، وابناه مجمع بن جارية وزيد بن جارية ، ونفيل بن الحرث من بني ضبيعة ، وبحزج بن عثمان من بني ضبيعة ، ووديعة بن ثابت من بني أمية بن عبد المنذر .
وقال بعضهم : إن رجالا من بني عمرو بن عوف وكان أبو عامر المعروف بالراهب - وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفاسق - منهم ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ، ومعن بن عدي وأخاه عاصم بن عدي - زاد : البغوي وعامر بن السكن ووحشيا قاتل ، زاد حمزة الذهبي في التجريد : سويد بن عباس الأنصاري - فقال : "انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فهدموه وحرقوه" فخرجوا مسرعين حتى أتوا بني سالم بن عوف ، فقال مالك لرفيقيه : أنظراني حتى أخرج إليكما ، فدخل إلى أهله وأخذ سعفا من النخيل فأشعل فيه نارا ، ثم خرجوا يشتدون حتى أتوا المسجد بين المغرب والعشاء ، وفيه أهله وحرقوه وهدموه حتى وضعوه بالأرض وتفرق عنه أصحابه ، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة عرض على عاصم بن عدي المسجد يتخذه دارا ، فقال عاصم يا رسول الله : ما كنت لأتخذ مسجدا - قد أنزل الله فيه ما أنزل - دارا ، ولكن أعطه ثابت بن أقرم فإنه لا منزل له ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثابت بن أقرم . فلم يولد في ذلك البيت مولود قط . ولم ينعق فيه حمام قط ولم تحضن فيه دجاجة قط .
وروى عن ابن المنذر ، سعيد بن جبير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن وأبو الشيخ ، قتادة عن وابن المنذر - رحمهم الله تعالى - قالوا : ذكر لنا أنه حفر في مسجد الضرار بقعة فأبصروا الدخان يخرج منها . ابن جريج