في كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم
وروي عن الشيخين وابنه والإمام أحمد عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال : ولله در ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «لا» ، الفرزدق حيث قال :
ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم
وروى الخرائطي عن والطبراني رضي الله تعالى عنه قال : علي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن شيء فأراد أن يفعله قال : «نعم» وإن أراد ألا يفعله سكت ، وكان لا يقول لشيء : لا .
وروى أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي في دلائله عن محمد بن السري العسقلاني [قال] : كنت أنا ورجل من أهل عسقلان نطلب المشايخ نقرأ عليهم القرآن ، فرأيت كأني وصاحبي اختلفنا في آية والعنهم لعنا كبيرا [الأحزاب : 68] وقال صاحبي : كثيرا ، فلقيت آدم بن أبي إياس ، فقلنا : نسألك ، فقال : وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فقلت : يا رسول الله ادع لي ، فسكت ، فقلت : يا رسول الله ، ما لك لا تدعو لي ؟ فوالله لقد حدثني وعثمان ، عن سفيان بن عيينة ، محمد بن المنذر عن جابر أنك ما سئلت عن شيء قط فقلت : لا ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعا لي ، فقلت : يا رسول الله : ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا [الأحزاب : 68] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كبيرا كبيرا كبيرا» .
وروى الإمام أحمد ، عن ومسلم ، رضي الله تعالى عنه قال : أنس وإن كان الرجل ليجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يريد بذلك إلا الدنيا ، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه من الدنيا وما بينها ، ويرحم الله تعالى ما سئل رسول الله شيئا إلا أعطاه ، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين ، فرجع إلى أهله فقال : يا قوم! أسلموا؛ فإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ، أبا عبد الله محمدا المعروف بابن جابر؛ حيث قال :
هذا الذي لا يخشى فقرا إذا يعطي ولو كثر الأنام وداموا
هذا من الأنعام أعطى أملا فتحيرت لعطائه الأفهام
وأعطاه صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأنه عليه الصلاة والسلام علم أن داءه لا يزول إلا بهذا الدواء ، وهو الإحسان ، فعالجه به حتى برأ من داء الكفر ، وهذا أي : [ ص: 50 ] عامله بكمال الإحسان ، وأبعده من حر النيران ، إلى برد لطيف الجنان . من كمال شفقته ورحمته ورأفته صلى الله عليه وسلم ،
وروى عن الدارمي رضي الله تعالى عنه قال : سهل بن سعد ولقد أحسن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حييا لا يسأل شيئا إلا أعطى ، ابن جابر حيث قال :
يروى حديث الندى والبشر عن يده ووجهه بين منهل ومنسجم
من وجه أحمد لي ندى ومن يده بحر ومن فمه در لمنتظم
يمم نبيا يباري الريح نافلة والمزن من كل هامي الورد خير همي
لو عامت الفلك فيما فاض من يده لم تلق أعظم بحرا منه أن تعم
يحيط كفاه بالبحر المحيط فلذ به ودع كل طامي الموج ملتطم
لو لم تحط كفه بالبحر ما اشتملت كل الأنام وروت قلب كل ظمي
وروى عن الترمذي الربيع بن عفراء قال : ويرحم الله أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب ، وجرو زغب ، فأعطاني ملء كفي حليا ، أو ذهبا ، ابن جابر حيث قال :
لقد كان فعل الخير قرة عينه فليس له فيما سواه مجال
فلو سألوا من كفه رد سائل أجابهم هذا السؤال محال
ولو عرف المحتاج قبل سؤاله كفاه ، وأغنى أن يكون سؤال
يبادر للحسنى ويبذل زاده ولو بات مس الجوع منه ينال
وروى البخاري ، وابن ماجه ، وابن سعد ، والطبراني ، والإسماعيلي عن والنسائي رضي الله تعالى عنه سهل بن سعد سهل : أتدرون ما البردة ؟ قالوا ، الشملة ، قال : نعم ، قالت : نسجتها بيدي لأكسوكها ، فخذها ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ، فخرج إلينا وإنها لإزاره ، فقال الأعرابي : يا رسول الله بأبي أنت وأمي هبها لي ، وفي لفظ ، فقال : «نعم» ، فجلس ما شاء الله في المجلس ، ثم رجع فطواها فأرسل بها إليه ، ثم سأله ، وعلم أنه لا يرد سائلا ، وفي لفظ : لا يسأل شيئا فيمنعه ، قال : والله إني ما سألته لألبسها ، إنما سألته لتكون كفني ، رجوت بركتها حين لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال سهل : فكانت كفنه . أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها ، قال
زاد الطبراني : وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع له غيرها ، فمات قبل أن تنزع .
وروى عن الطبراني أم سنبلة قالت : [ ص: 51 ] أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية ، فأبى أزواجه أن يقبلنها ، فأمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذنها ، ثم أقطعها واديا .
وروى عن الدارمي هارون بن أبان قال : قدم للنبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألف درهم ، وهو أكثر مال أتي به قط ، فوضع على حصير من المسجد ، ثم قام بنفسه ، فما رد سائلا ، حتى فرغ منه ، قالوا : ويحتمل أن يكون المراد بهذه الكثرة الدراهم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم بين رجلين من النعم والشاء ما هو أكثر من هذا المال المذكور في هذا الحديث .
وذكر ابن فارس في كتابه أسماء النبي صلى الله عليه وسلم : أنه في يوم حنين جاءت امرأة ، فأنشدت شعرا تذكره أيام رضاعه في هوازن ، فرد عليهم ما أخذ ، وأعطاهم عطاء كثيرا ، حتى قوم ما أعطاهم فكان خمسمائة ألف ، قال وهذا نهاية الجود الذي لم يسمع بمثله في الجود . ابن دحية :
وروى عن البخاري رضي الله تعالى عنه ، قال : أنس أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال : انظروا ، يعني صبوه في المسجد ، وكان أكثر مال أتي به صلى الله عليه وسلم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد ، ولم يلتفت إليه ، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه ، فما كان يرى أحدا إلا أعطى ، إلى أن جاء فقال : يا رسول الله أعطني؛ فإني فاديت نفسي ، وفاديت العباس عقيلا ، فقال : «خذ» فحثا في ثوبه ، ثم ذهب يقله فلم يستطع ، فقال : يا رسول الله مر بعضهم يرفعه إلي قال : «لا» ، قال : فارفعه أنت ، قال : «لا أستطيع» ، ثم نثر منه ، ثم ذهب يقله فلم يستطع ، فقال : يا رسول الله : مر بعضهم يرفعه علي ، قال : «لا» ، قال : «فارفعه أنت» ، قال : «لا» ، ثم نثر منه فاحتمله ، فألقاه على كاهله ، فانطلق فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره حتى خفي علينا ، عجبا منه ، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثم منها درهم .
ورواه من طريق ابن أبي شيبة مرسلا أنه كان أرسل به حميد بن هلال من خراج العلاء بن الحضرمي البحرين ، قال : وهو أول مال حمل إليه .
وروى الشيخان رضي الله تعالى عنه أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فمر النبي صلى الله عليه وسلم فضربه ، ودعا له ، فسار سيرا لم يسر مثله ، ثم قال : «بعنيه بوقية» قلت : لا ، ثم قال : «بعنيه بوقية» ، فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي ، فلما قدمنا جابر المدينة أتيته بالجمل ، ونقد لي ثمنه ، ثم انصرفت ، فأرسل إلي ، فقال : «ما كنت لآخذ جملك ، هو لك» . عن
وفي لفظ البخاري في سفر : «بعني جملك» ، فقال : هو لك يا رسول الله ، بأبي وأمي ، فقال : «بعنيه» فباعه إياه ، وأمر لجابر أن ينقده ثمنه ، فأنقده ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : «اذهب بالثمن والجمل ، بارك الله لك فيهما» بلالا انتهى . قال صلى الله عليه وسلم
فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مكافأة لقوله : فأعطاه الثمن ، ورد عليه الجمل ، وزاد الدعاء بالبركة . «بل هو لك»
وروى الشيخان عن رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، حين يلقى جبريل ، وكان يلقاه كل ليلة من رمضان ، [ ص: 52 ] فيدارسه في القرآن . فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة .
وروى الترمذي عن والخرائطي رضي الله تعالى عنه قال : عمر بن الخطاب ما كلفك الله هذا ، أعطيت ما عندك ، فإذا لم يكن عندك فلا تكلف ، قال : فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عمر : حتى عرف في وجهه ، فقال الرجل : يا رسول الله ، بأبي وأمي أنت ، فأعط ، ولا تخش من ذي العرش إقلالا ، فتبسم وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «بهذا أمرت» . عمر ، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما عندي شيء أعطيك ، ولكن استقرض حتى يأتينا شيء فنعطيك ، فقال
وروى ابن سعد عن أنس ، عن والترمذي قالا : علي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس .
وروى بقي بن مخلد عن وأبو يعلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنس «ألا أخبركم عن الأجود ؟ الله الأجود ، وأنا أجود ولد آدم ، وأجودهم من بعدي رجل تعلم علما فنشر علمه ، يبعث يوم القيامة أمة وحده ، ورجل جاهد في سبيل الله حتى يقتل» .
وروى ابن أبي خيثمة ، رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان أجود الناس كفا . علي عن
وروى عن ابن أبي شيبة قال : أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس .
وروى بزار عن رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير ، وأعطى كل سائل .
وروى وغيره عن ابن أبي الدنيا رضي الله تعالى عنه قال : أبي سعيد فأثنيا خيرا ، وقالا معروفا ، وشكرا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما ، فدخل عمر بن الخطاب ، على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قالا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لكن فلانا أعطيته ما بين العشرة والمائة فلم يقل ذلك ، إن أحدهم يسألني فينطلق بمسألته يتأبطها ، وما هي إلا نار» ، فقال عمر يا رسول الله ، فلم تعطيهم ما هو نار ؟ فقال : «يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل» . عمر : دخل رجلان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه عن ثمن بعير فأعانهما بدينارين ، فخرجا من عنده ، فلقيا
وروى الإمام والخمسة عن رضي الله تعالى عنه أبي سعيد أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ، ثم سألوه فأعطاهم ، وقال : «ما يكون عندي من خير فلن أدخره [ ص: 53 ] عنكم ، ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يتصبر يصبره الله ، وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر» .
وروى عن ابن عدي رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عبد الله بن عمر «لو أن لي مثل جبال تهامة ذهبا لقسمته بينكم ، ثم لا تجدوني كذوبا ولا بخيلا» .
وروى عن البخاري رضي الله تعالى عنه أنه جبير بن مطعم بينما هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه الناس ، مقبلا من حنين علقت برسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه ، حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه ، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «أعطوني ردائي ، فلو كان لي عدد هذه العضاة نعم لقسمته عليكم لا بخيلا ، ولا كذابا ، ولا جبانا» .
وروى أبو جعفر بن جرير الطبري عن رضي الله تعالى عنه قال : سهل بن سعد الساعدي حيكت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أنمار صوف أسود ، فجعل حاشيتها بيضاء ، وقام فيها إلى أصحابه ، فضرب بيده إلى فخذه فقال : «ألا ترون إلى هذه ما أحسنها!» فقال أعرابي : يا رسول الله بأبي أنت وأمي هبها لي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا أبدا فيقول : لا ، فقال : «نعم» ، فأعطاه الجبة .
وروى عن مسلم رضي الله تعالى عنه قال : عمر بن الخطاب قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما لأناس ، فقلت : يا رسول الله لغير هؤلاء كانوا أحق بهذا القسم ، فقال : «إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش ، أو يبخلوني ، ولست بباخل» .
وروى عن ابن الأعرابي رضي الله تعالى عنه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأله الناس ، فأعطاهم من البقر والغنم والإبل ، حتى لم يبق من ذلك شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ماذا تريدون ؟ أتريدون أن تبخلوني ؟ فوالله ما أنا ببخيل ، ولا جبان ، ولا كذوب» ، فجذبوا ثوبه حتى بدت رقبته ، فكأنما أنظر -حين مد يدا من منكبه- شقة القمر من بياضه .