الباب الرابع في آدابه صلى الله عليه وسلم في شربه ،
وفيه أنواع :
النوع الأول : في اختياره الماء البائت ، وإرادته الكرع بفيه صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري والإمام أحمد وأبو داود عن والبرقاني رضي الله تعالى عنه جابر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا من الأنصار ، ومعه رجل من أصحابه ، وهو يحول الماء في حائطه فقال : «إن كان عندك ماء بات وإلا كرعنا» ، قال : عندي ماء بات في شن فانطلق إلى العريش فصب منه في قدح ، وحلب عليه داجنا- يعني شاة- فسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد إلى العريش ، ففعل مثل ذلك فسقى صاحبه
النوع الثاني : في أحب الشراب إليه صلى الله عليه وسلم .
روى عن مسدد رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس . سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الشراب أحب إليك ؟ قال : «الحلو البارد»
وروى برجال الصحيح- ولم يسم التابعي- عن الإمام أحمد ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قالا : وأبي هريرة . سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الشراب أطيب ؟ قال : «الحلو البارد»
وروي عن رضي الله تعالى عنه قال : جابر كان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في شجاب أو على جمارة من جريد .
النوع الثالث : في مناولته الإناء من عن يمينه .
روى البخاري وأبو الحسن بن الضحاك عن رضي الله تعالى عنه أنس يا رسول الله ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي الذي على يمينه ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأيمن فالأيمن» . أبا بكر أنه حلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة داجنا ، وهو في دار أنس بن مالك ثم شاب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم يشرب منه ، وعلى يساره أبو بكر ، وعلى يمينه أعرابي ، فجاء عمر رضي الله تعالى عنه ، وخاف أن يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي ، فقال : «أعط
وروى الشيخان عنه أيضا قال : وأبو بكر عن يساره ، تجاهه ، وأعرابي عن يمينه ، فلما فرغ قال وعمر رضي الله تعالى عنه : هذا عمر رضي الله تعالى عنه ، فأعطى الأعرابي ، وقال : الأيمنون الأيمنون ، قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : فهي سنة أنس . أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه فحلبنا له شاة ثم شبته [ ص: 239 ] من ماء بئرنا هذه ، فأعطيته ،
وروى الحميدي ، ومحمد بن أبي عمر ، والإمام أحمد ، وابن سعد ، عن وابن ماجه رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس على وخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنها ، فجاءتنا بإناء من لبن ، وفي رواية قالت : ألا أسقيكم من لبن أهدته لنا أم عقيق ؟ كذا رواه ، والمحفوظ ميمونة أم حميد أو حفيد ، قال : بلى فجيء بإناء من لبن ، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا عن يمينه ، وخالد عن شماله ،
فقال : «المشربة لك ، فإن شئت آثرت بها خالدا» ، فقلت : ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وزدنا منه ، فإني لا أعلم شيئا يجزئ عن الطعام والشراب غيره» . دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد بسند جيد عن والطبراني محمد بن إسماعيل رحمه الله تعالى قال : قيل لعبد الله بن أبي حبيبة : رضي الله تعالى عنه عن يساره ، ثم دعا بشراب فشرب منه ، ثم أعطانيه ، وأنا عن يمينه ، فشربت منه ، ثم قام فصلى فرأيته يصلي في نعليه . أبو بكر ما أدركت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا بقباء ، وأنا غلام ، حتى جلست عن يمينه ، وجلس
النوع الرابع : في بدئه صلى الله عليه وسلم بالأكابر .
روى برجال الصحيح الطبراني عن وأبو يعلى رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال : «ابدؤوا بالكبرى أو قال بالأكابر»
وروى بسند جيد إلا الطبراني أبا عبد الملك علي بن زيد الأزدي عن رضي الله تعالى عنه قال : أبي أمامة أبو بكر وعمر وأبو عبيدة في نفر الصحابة رضي الله تعالى عنهم إذ أتي بقدح فيه شراب ، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة ، فقال أنت أولى به يا نبي الله ، قال : خذ فأخذ أبو عبيدة : القدح قال له قبل أن يشرب : خذ يا رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اشرب ، فإن البركة مع أكابرنا ، فمن لم يرحم صغيرنا ، ويجل كبيرنا فليس منا» أبو عبيدة . بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه
وروى ثابت بن قاسم عن رضي الله تعالى عنه قال : سهل بن سعد جلس [ ص: 240 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في سقيفته التي عند المسجد ، قال فاستسقاني فقدمت له وطبة فشرب ، ثم قال : «كانت الأولى أطيب من الأخرى» فقلت يا رسول الله هما من شن واحد ، ثم نادى سهل بن سعد : فشرب ، أبا بكر عن يمينه . وعمر
النوع الخامس : في أمره صلى الله عليه وسلم بالبداءة بمن انتهى إليه القدح .
روى الإمام أحمد برجال الصحيح- وفيه راو لم يسم- عن رضي الله تعالى عنه قال : عبد الله بن بسر . أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت إليه عذق تمر نعلله به ، وطبخت له ، وسقيناهم ، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسقى الذي عن يمينه ، ثم أخذت القدح حين نفذ ما فيه فجئت بقدح آخر ، وكنت أنا الخاتم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعط القدح الذي انتهى»
النوع السادس : في شربه صلى الله عليه وسلم بعد أصحابه إذا سقاهم .
روى الإمام أحمد برجال ثقات عن وأبو يعلى رضي الله تعالى عنه قال : عبد الله بن أبي أوفى حتى سقاهم كلهم . «ساقي القوم آخرهم شربا» أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عطش فنزلنا منزلا ، فأتي بإناء ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقي أصحابه ، وجعلوا يقولون : اشرب ، فيقول صلى الله عليه وسلم :
وروى أبو الشيخ عن وابن حبان رضي الله تعالى عنهم قال : أنس . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقي أصحابه ، قالوا : يا رسول الله لو شربت ، فقال : «ساقي القوم آخرهم»
وروى عن أبو يعلى رضي الله تعالى عنه قال : أبي بكر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فبعث إليه امرأة مع ابن لها شاة ، فحلب ، ثم قال : «انطلق به إلى أمك» ، فشربت حتى رويت ، ثم جاء بشاة أخرى ، فحلب ثم سقى أبا بكر ، ثم جاءه بشاة أخرى ، فحلب ، ثم شرب .
النوع السابع : في شربه مصا وتنفسه ثلاثا .
وروى عن الطبراني بهز قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا ويشرب مصا ، ويتنفس ثلاثا ويقول : «هو أهنأ وأمرأ وأبرأ» .
وروى أيضا عن رضي الله تعالى عنها قالت : أم سلمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعب يشرب مرتين أو ثلاثا .
وروى عن أبو بكر الشافعي ربيعة بن أكثم رضي الله تعالى عنه قال : . [ ص: 241 ] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا ، ويشرب مصا ، ويقول : هو أهنأ»
وروى البغوي وابن القانع في الكبير ، والطبراني وابن السني في الطب عن وأبو نعيم بهز عن والبيهقي ربيعة بن أكثم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا ويشرب مصا ، ويتنفس ثلاثا ، ويقول : «هو أهنأ وأمرأ وأبرأ» .
وروى الشيخان عن رضي الله تعالى عنه أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس إذا شرب ثلاثا ، زاد الترمذي ومسلم : ويقول : «إنه أروى وأمرأ» .
وروى عن عبد بن حميد رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس
«هو أشفى وأمرأ وأبرأ» . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب يوما ، فشرب في ثلاثة أنفاس ، فقلت : يا رسول الله تشرب الماء في ثلاثة أنفاس ؟ فقال :
وروى البزار ، والطبراني ، وأبو الحسن بن الضحاك عن رضي الله تعالى عنه قال : ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثا ، يحمد الله تعالى في كل نفس ، ويشكره عند آخرهن .
وروى عن ابن عدي رضي الله تعالى عنه أنس أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب جرعة ، ثم قطع ، ثم سمى ، ثم سمى ، ثم جرع ، ثم قطع ، ثم سمى ، الثالثة : ثم جرع ، ثم مضى فيه حتى فرغ منه ، فلما شرب حمد الله تعالى عليه .
وروى أيضا عن رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عمر . ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا قط إلا تنفس فيه ثلاثا ، كلها يقول : «باسم الله والحمد لله»
وروى أيضا عن رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتنفس في طعام ولا شراب ، ولا يتنفس في الإناء .
وروى برجال ثقات عن البزار رضي الله تعالى عنه قال : عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الإناء ثلاثا .
وروى عن الطبراني رضي الله تعالى عنه ، وعن أبي هريرة نوفل بن معاوية الديلمي ، والطبراني عن والبزار رضي الله تعالى عنهم ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب بثلاثة أنفاس ، يسمي الله تعالى في أولها إذا أدنى الإناء من فيه ، ويحمده في آخرها إذا أخره .
النوع الثامن : في مضمضته إذا شرب اللبن .
روي عن رضي الله تعالى عنهما ابن عباس . [ ص: 242 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فدعا بماء فمضمض ، فقال : «إن له دسما»
وروى البخاري وابن ماجه في صحيحه عن والبرقاني رضي الله تعالى عنه أنس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلب شاة ، وشرب من لبنها ، ودعا بماء فمضمض فاه ، وقال : «إن له دسما»
النوع التاسع : في شربه صلى الله عليه وسلم ولم يتمضمض .
روى أبو الحسن بن الضحاك بسند فيه ضعف عن رضي الله تعالى عنه أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب ولم يتمضمض ، ولم يتوضأ .
النوع العاشر : في شربه صلى الله عليه وسلم من الإناء .
روى برجال ثقات غير الطبراني يحيى بن مطيع بنحو رجاله عن جرير رضي الله تعالى عنه روى : دخل عيينة بن حصن رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل فاستسقى ، فأتي بماء فستره فشرب فقال : ما هذا قال : «الحياء والإيمان إن منحتموها أو منعتموها» .
النوع الحادي عشر : في أمره صلى الله عليه وسلم بتخمير الإناء .
روى برجال عن أبو يعلى رضي الله تعالى عنه أن رجلا يقال له أبي هريرة أبو حميد . أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فيه لبن من النقيع نهارا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا خمرته ولو أن تعرض عليه بعود»
النوع الثاني عشر : في كراهته صلى الله عليه وسلم أن ينفخ في شرابه .
روى برجال ثقات إلا الطبراني صالح مولى التوأمة فإنه اختلف عن رضي الله تعالى عنه أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كره أن ينفخ في شرابه .