[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
جماع أبواب سيرته -صلى الله عليه وسلم- في المعاملات وما يلتحق بها 
الباب الأول 
في الكلام على النقود التي كانت تستعمل في زمانه صلى الله عليه وسلم  
قال الإمام أبو سليمان أحمد بن الخطابي   -رحمه الله تعالى- : كان أهل المدينة  يتعاملون بالدرهم عددا وقت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويدل عليه قول  عائشة   -رضي الله عنها- في قصة شرائها بريرة :  إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة ، فقلت : تريد الدراهم التي هي ثمنها ، فأرشدهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الوزن ، وجعل العيار وزن أهل مكة ،  وكان الوزن الجاري بينهم في الدرهم ستة دوانق وهو درهم الإسلام في جميع البلدان ، وكانت الدراهم قبل الإسلام مختلفة الأوزان  في البلدان ، فمنها البغلي ، وهو ثمانية دوانق ، والطبري وهو أربعة دوانق ، وكانوا يستعملونها (مناصفة) مائة بغلية ومائة طبرية ، فكان في المائتين منها خمسة دراهم زكاة ، فلما كان زمن بني أمية ،  قالوا : إن ضربنا البغلية ظن الناس أنها التي تعتبر للزكاة ضد الفقراء ، وإن ضربنا الطبرية ضر أرباب الأموال ، فجمعوا الدراهم البغلي والطبري وجعلوهما درهمين ، كل درهم ستة دوانق . 
وأما الدنانير : فكانت تحمل إليهم من بلاد الروم ، فلما أراد  عبد الملك بن مروان  ضرب الدنانير والدراهم سأل عن أوزان الجاهلية ، فأجمعوا له على أن المثقال ثمان وعشرون قيراطا إلا حبة بالشامي ، وأن كل عشرة من الدراهم سبعة مثاقيل فضربها . انتهى كلام الخطابي . 
قال  الماوردي   (في الأحكام السلطانية) : استقر في الإسلام وزن الدرهم ستة دوانق ، كل عشرة سبعة مثاقيل ،  واختلف في سبب استقرارها على هذا الوزن ، فقيل : كانت في الفرس ثلاثة أوزان ، منها درهم على وزن المثقال عشرون قيراطا ، ودرهم اثنا عشر ، ودرهم عشرة ، فلما احتيج في الإسلام إلى تقدير أخذ الوسط من جميع الأوزان الثلاثة ، وهو اثنان وأربعون قيراطا من قيراط المثقال . 
وقيل : إن  عمر بن الخطاب  رأى الدراهم مختلفة ، منها : البغلي ثمانية دوانق ،  والطبري  أربعة دوانق ، واليمني دانق واحد ، فقال : انظروا أغلب ما يتعامل الناس به من أعلاها وأدناها ، فكان البغلي والطبري ، فجمعهما فكانا اثني عشر دانقا ، فأخذ نصفهما ، فكان ستة  [ ص: 4 ] دوانق ، فجعله درهم الإسلام . 
واختلف في أول من ضربها في الإسلام ، فحكي عن  سعيد بن المسيب  أن أول من ضربها في الإسلام عبد الملك بن  
قال أبو الزناد :  أمر عبد الملك  الحجاج  بضربها في العراق  سنة أربعة وسبعين من الهجرة . 
وقال المدايني :  بل ضربها في آخر سنة خمس وسبعين ، ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين ، وقال : وقيل : أول من ضربها مصعب بن الزبير  بأمر أخيه عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الأكاسرة ، ثم غيرها الحجاج .  انتهى كلام  الماوردي .  
وقال  القاضي عياض :  لا يصح أن تكون الأوقية والدرهم مجهولة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجب الزكاة في أعداد منها ، وتقع بها المبايعات والأنكحة ، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، قال : وهذا يبين في الأحاديث أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن  عبد الملك بن مروان ،  وأنه جمعها برأي العلماء ، وأنه جعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ، ووزن الدرهم ستة دوانق - قول باطل ، وأن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام ، وعلى صفة لا تختلف ، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم ، وصغارا وكبارا ، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ويمنية ومغربية ، فزاد صرفها في الإسلام ، ونقصها وتصييرها وزنا واحدا أو أعيانا يستغنى بها عن الموازين ، فجمعوا أكبرها وأصغرها ، وضربوه على وزنهم . 
وقال  الرافعي :  أجمع أهل العصر الأول على التقدير على هذا الوزن ، وهو أن الدرهم ستة دوانق ، كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا الإسلام . 
وقال النووي  في [شرح] المهذب : الصحيح الذي يتعين اعتماده واعتقاده أن الدراهم المطلقة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معلومة الوزن معروفة المقدار ، وهي السابقة إلى الأفهام عند الإطلاق ، وبها تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشرعية ، ولا يمنع من هذا كونه كان هناك دراهم أخرى أقل أو أكثر من هذا القدر ، فإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الدراهم محمول على المفهوم عند الإطلاق ، وهو كل درهم ستة دوانق ، كل عشرة سبعة مثاقيل ، وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم إلى يومنا هذا على هذا . 
ولا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، وأما مقدار الدراهم والدنانير فقال الحافظ أبو محمد عبد الحق في كتاب (الأحكام) : قال  ابن حزم :  بحثت غاية البحث عن من وثقت بتمييزه ، فكل اتفق على أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة من حب الشعير المطلق ، والدراهم سبعة أعشار المثقال ، فوزن الدرهم المكي سبع وخمسون حبة وستة  [ ص: 5 ] أعشار حبة ، والرطل مائة درهم وثمانية وعشرون درهما بالدراهم المذكورة ، هذا كلام ابن حزم . 
قال النووي   -بعد إيراده- في شرح المهذب : وقال غير هؤلاء : وزن الرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وهو تسعون مثقالا . انتهى . 
قال ابن سعد  في الطبقات : حدثنا محمد بن عمر الواقدي ،  حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ،  عن أبيه ، قال : ضرب  عبد الملك بن مروان  الدنانير والدراهم سنة خمسة وسبعين «وهو أول من أحدث ضربها ، ونقش عليها» . 
وفي (الأوائل) للعسكري :  أنه نقش عليها اسمه ، وأخرج  ابن عساكر  في تاريخه من طريق  الحميدي  عن سفيان ،  قال : سمعت أبي يقول : أول من وضع وزن سبعة الحارث بن ربيعة ،  يعني : العشرة عدها سبعة وزنا . 
وأخرج  ابن عساكر  عن مغيرة ،  وقال : أول من ضرب الدراهم الزيوف  عبيد الله بن زياد ،  وهو قاتل  الحسين .  
وفي تاريخ الذهبي :  أول من ضرب الدراهم في بلاد العرب  عبد الرحمن بن الحكم الأموي  القائم بالأندلس  في القرن الثالث ، وإنما كانوا يتعاملون بما يحمل إليهم من دراهم المشرق . 
وأخرج  ابن أبي حاتم  في تفسيره عن أبي جعفر ،  قال : القنطار خمسة عشر ألف مثقال ، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا . 
وأخرج  ابن جرير  في تفسيره عن  السدي  في قوله تعالى : والقناطير المقنطرة   [آل عمران : 14] يعني المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم . انتهى . 
				
						
						
