الباب السابع في حسن خلقه صلى الله عليه وسلم معهن ومداراته لهن وحثه على برهن ، والصبر عليهن ،  ومحادثته لهن ، وصبره معهن رضي الله تعالى عنهن 
وروى الشيخان  والترمذي   والنسائي  عن  أنس   -رضي الله تعالى عنه- أن  أم سلمة  أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحفة أو في قصعة وهو في بيت عائشة وفي رواية : فضربت  عائشة  يد الخادم فسقطت ورمت الصحفة بقهر ، فانفلقت ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ، ويقول : غارت أمكم مرتين ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة  عائشة ،  فبعثها إلى  أم سلمة ،  وأعطى صحفة  أم سلمة   عائشة .  
وروى الشيخان  والترمذي  عن  عائشة   -رضي الله تعالى عنها- قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى ، وفي لفظ : أيام منى ، وعندي جاريتان يغنيان بما تقالت الأنصار يوم بعاث ، قالت ، وليستا بمغنيتين تدفقان ، فاضطجع على فراشي ، وحول وجهه ، ودخل  أبو بكر  فانتهرني ، وقال : مزمار الشيطان ، وفي رواية أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهما لكل قوم عيد ، وهذا عيدنا ، فلما غفل غمزتهما فخرجتا ، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب ، فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال : «تشتهين تنظرين» ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه ، خدي على خده ، ويقول : دونكم يا بني أرفدة ، فزجرهم  عمر ،  فقال رسول الله : «أمنا يا بني أرفدة» حتى إذا مللت ، قال : حسبك ، قلت : نعم ، قال : فاذهبي ، قالت : فاقدروا قدر الجارية العربية الحديثة السن . 
روى ابن أبي أسامة   والخرائطي   وابن عساكر  وأبو الحسن بن الضحاك  عن عمرة بنت عبد الرحمن   -رحمهما الله- قالت : سألت  عائشة   -رضي الله تعالى عنها- كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع نسائه ، قالت : كان كرجل من رجالكم ، إلا أنه كان أكرم الناس وأحسن الناس خلقا ، كان ضحاكا بساما صلى الله عليه وسلم . 
وروى  أبو داود  والطيالسي   والإمام أحمد   وابن عساكر  عن أبي عبد الله الجدلي   -رحمه الله تعالى- قال : قلت  لعائشة   -رضي الله تعالى عنها- : كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في  [ ص: 70 ] أهله ، قالت : كان أحسن الناس خلقا ، لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ، ولا يجزئ بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح . 
وروى  النسائي   وأبو بكر الشافعي   وأبو يعلى  وسنده حسن عن  عائشة   -رضي الله تعالى عنها- قالت : زارتنا  سودة  يوما ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينها فأتيت بحريرة فقلت لها : كلي ، فأبت ، فقلت : لتأكلين وإلا لطخت وجهك ، فأبت ، فأخذت من القصعة شيئا ، فلطخت به وجهها ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفع رجله من حجرها ، وقال الطخي وجهها ، فأخذت شيئا من القصعة فلطخت به وجهي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ، فمر  عمر  فنادى ، يا عبد الله  يا عبد الله ،  فظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل ، فقال : قوما فاغسلا وجوهكما ، قالت عائشة : فما زلت أهاب  عمر  لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وروى ابن سعد  عن  ميمونة   -رضي الله تعالى عنها- قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب ، فجاء يستفتح الباب ، فأبيت أن أفتح له ، قال : أقسمت عليك إلا فتحت لي ، فقلت له : تذهب إلى بعض نسائك في ليلتي ، فقال : ما فعلت ولكن وجدت حقنا من بول . 
وروى  الطبراني   وابن مردويه  عن  عائشة   -رضي الله تعالى عنها- قالت : نزل عذري من السماء ، وكادت الأمة تهلك بسببي ، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج الملك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي : اذهب إلى ابنتك فأخبرها أن الله تبارك وتعالى قد أنزل عذرها ، قال ، فأتاني أبي وهو يعدو يكاد أن يعثر ، فقال : أبشري يا بنية ، إن الله عز وجل قد أنزل عذرك من السماء ، قلت : نحمد الله لا نحمدك ، ولا نحمد صاحبك الذي أرسلك ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول ذراعي ، فقلت بيده هكذا ، فأخذ  أبو بكر  النعل ليعلوني به فضحك ، فمنعه وضحك ، وقال : أقسمت عليك لا تفعل . 
وروى  الإمام أحمد  واللفظ له  وأبو داود  برجال ثقات عنها قالت : بعثت صفية  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام قد صنعته له وهو عندي ، فلما رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقبلتني أفكل فضربت القصعة فرميت بها ، فعرفت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلعنني اليوم . 
 [ ص: 71 ] وروى  الطبراني  بسند حسن عن  عمرو بن حريث   -رضي الله تعالى عنه- قال : كان زنج يلعبون بالمدينة  فوضعت  عائشة  منكبها على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت تنظر إليهم . 
وروى  أبو يعلى  بسند لا بأس به وأبو الشيخ بن حيان  بسند جيد قوي عن  عائشة   -رضي الله تعالى عنها- قالت كان في متاعي خف ، وكان على جمل ناج ، وكان متاع صفية فيه ثقل ، وكان على جمل ثقال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «حولوا متاع  عائشة  على جمل صفية ،  وحولوا متاع صفية  على جمل  عائشة  حتى يمضي الركب» ، قلت : يا لعباد الله ، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أم عبد الله ، إن متاعك فيه خف ، وكان متاع صفية  فيه ثقل ، فأبطأ الركب فحولنا متاعها على بعيرك وحولنا متاعك على بعيرها ، قالت : فقالت : ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أوفي شك ؟ أنت يا أم المؤمنين يا أم عبد الله ، قالت : قلت : ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهلا عدلت ، وسمعني  أبو بكر  وكان فيه غرب –أي : حدة- فأقبل علي فلطم وجهي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مهلا يا أبا بكر» ،  فقال : يا رسول الله ، أما سمعت ما قالت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه» ورواه الإمام  أحمد  بسند لا بأس به عن صفية  رضي الله تعالى عنها . 
				
						
						
