تنبيهات
الأول : نقل ابن كثير عن الإمام وجماعة من الحفاظ أنهم صرحوا بوضع هذا الحديث . قلت : والظاهر أنه وقع له من طريق بعض الكذابين ولم يقع له من الطرق السابقة وإلا فالطرق السابقة يتعذر معها الحكم عليه بالضعف فضلا عن الوضع ، ولو عرضت عليهم أسانيدها لاعترفوا بأن للحديث أصلا وليس هو بموضوع وما مهدوه من القواعد وذكر جماعة من الحفاظ في كتبهم المعتمدة أو تقوية من قواه كما تقدم ويرد على من حكم عليها بالوضع . أحمد
التنبيه الثاني : قد علمت رحمني الله وإياك ما أسلفنا من كلام الحفاظ في حكم هذا الحديث وتبين لك ثقات رجاله وأنه ليس فيهم متهم ولا من أجمع على تركه ولا لك ثبوت الحديث وعدم بطلانه فلم يبق إلا الجواب عما أعل به وقد أعل بأمور .
الأمر الأول : من جهة بعض رجال طرقه فرواه من طريق ابن الجوزي فضيل بن مرزوق وأعله به ثم نقل عنه تضعيفه وأن ابن معين قال فيه كان يخطئ على الثقات ويأتي بالموضوعات انتهى ، ابن حبان وفضيل من رجال ووثقه السفيانيان مسلم وابن معين كما نقله عن ابن أبي خثيمة وقال عبد الخالق بن منصور أنه قال فيه صالح الحديث ، وقال الإمام لا أعلم إلا خيرا وقال أحمد العجلي جائز الحديث صدوق .
وقال أرجو أنه لا بأس به ، وذكره ابن عدي : في التاريخ ولم يضعفه وقال البخاري عن أبيه : صالح الحديث صدوق يهم كثيرا نقل جميع ذلك شيخ الإسلام ابن أبي حاتم ابن حجر في «تهذيب التهذيب» ومن قيل فيه ذلك لا يحكم على حديثه بالوضع ثم ذكر أن ابن الجوزي رواه عن شيخه ابن شاهين ابن عبده من طريق عبد الرحمن بن شريك قال وعبد الرحمن قال فيه أبو حاتم واهي الحديث انتهى ، وعبد الرحمن هذا ذكره في الثقات وقال ربما أخطأ ، وقال ابن حبان الحافظ ابن حجر في «التقريب» صدوق ثم قال وأنا لا أتهم بهذا إلا ابن الجوزي ابن عقدة أنه كان رافضيا انتهى ، فإن كان يتهمه بأصل الحديث فالحديث معروف قبل وجود ابن عقدة وقال الذهبي في مختصر منهاج الاعتدال لشيخه ابن تيمية لا ريب أن ابن شريك حدث به وجاء من وجه آخر قوي عنه انتهى . أراد الطريق الذي رواه منه ابن شاهين فابن عقدة لم ينفرد به بل تابعه غيره ، قال شاذان : حدثنا أبو الحسن علي بن سعيد بن كعب الدقاق بالموصل حدثنا علي بن جابر الأودي حدثنا عبد الرحمن بن شريك به حدثنا علي بن سعيد ، وعلي بن سعيد ، وعلي بن جابر ثقتان ، وثق الأول أبو الفتح الأسدي ، والثاني ابن حبان .
الأمر الثاني : قال الجوزقاني وغيرهما يقدح في صحة هذا الحديث ما في الأحاديث الصحيحة وابن الجوزي ليوشع بن نون . انتهى . . [ ص: 439 ] أن الشمس لم تحبس إلا
وأجاب في مشكل الآثار ، وأقرها الطحاوي ابن رشد في مختصره بأن حبسها غير ما في حديث أسماء من ردها بعد الغروب ، وقال الحافظ : في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من «فتح الباري» بعد أن أورد حديث «أحلت لكم الغنائم» صبح ليلة الإسراء ولا يعارضه ما رواه حبس الشمس بسند صحيح عن أحمد أبي هريرة ليوشع بن نون» إلى آخره ، ووجه الجمع أن لمصر محمول على ما معنى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، وقوله : «لم تحبس الشمس إلا ليوشع بن نون فيه نفي ، إنما قد تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم» . «لم تحبس الشمس إلا
الأمر الثالث : في الاضطراب ، وتقدم رد ذلك في التنبيه المتقدم أول الكتاب .
الأمر الرابع : قال الجوزقاني ومن تبعه لو ردت الشمس لكان ردها يوم الخندق للنبي صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى . قلت : إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، لعلي ولم يجئ في خبر قط أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في واقعة الخندق أن ترد فلم ترد بل لم يدع على أن رد الشمس القاضي عياضا ذكر في الإكمال أن الشمس ردت على النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة الخندق فالله أعلم ، وقد بينت ضعفه في كتاب «مزيل اللبس» .
الأمر الخامس : أعل ابن تيمية حديث أسماء بأنها كانت مع زوجها بالحبشة وقلت :
هو وهم بلا شك ، وبلا أدنى خلاف أن جعفر قدم من الحبشة هو وامرأته أسماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد فتحها ، وقسم لهما ولأصحاب سفينتهما .
الأمر السادس : قال ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضيلة ولم يتلمح إلى عدم الفائدة فإن صلاة العصر لغيبوبة الشمس صارت قضاء ورجوع الشمس لا يعيدها أداء . انتهى . ابن الجوزي :
قلت : لثبوت الحديث على أن الصلاة وقعت أداء بذلك صرح في التذكرة قال : فلو لم يكن رجوع الشمس نافعا وأنه لا يتجدد الوقت لما ردها عليه ذكره في باب «ما يذكر الموت والآخرة» من أوائل التذكرة ووجهه أن الشمس لما عادت كأنها لم تغب والله سبحانه وتعالى أعلم . القرطبي
التنبيه الثالث : ليحذر من يقف على كلامي هنا أن يظن بي أني أميل إلى التشيع والله يعلم أن الأمر ليس كذلك والحامل لي على هذا الكلام أن الذهبي ذكر في ترجمة الحافظ الجسكاني أنه كان يميل إلى التشيع ، لأنه أملى جزءا في طرق حديث رد الشمس وهذا الرجل ترجمه تلميذه الحافظ عبد الغفار بن إسماعيل الفارسي في «ذيل تاريخ نيسابور» فلم يسعفه بذلك بل أثنى عليه ثناء حسنا وكذلك غيره من المؤرخين نسأل الله تعالى السلامة من الخوض في أعراض الناس بما نعلم وبما لا نعلم . [ ص: 440 ]