الباب الثالث عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من المنافقين لعنهم الله حين أرادوا الفتك به
روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك ، والبيهقي عن عروة عن حذيفة وعن ابن إسحاق رضي الله عنه في قوله تعالى : وهموا بما لم ينالوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع قافلا من تبوك إلى المدينة ، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من أصحابه فتآمروا عليه أن يطرحوه في عقبة في الطريق ، وفي لفظ : أن يقتلوه ، فلما هموا وبلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه ، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم ، فقال : «من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم» ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان ، وعمار بن ياسر ، فمشيا معه مشيا وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة وأمر حذيفة أن يسوقها ، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم ، قد غشوهم ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم وأبصر حذيفة غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم ، فضربها بالمجن ، وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعر إنما ذلك فعل المسافر ، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه ، فأسرعوا حتى خالطوا الناس ، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أدركه قال : «اضرب الراحلة يا حذيفة ، وامش أنت يا عمار» ، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا حذيفة ، هل عرفت من هؤلاء الرهط ، أو الركب ، أو أحدا منهم ؟ » قال : عرفت راحلة فلان وفلان ، وقال : كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هل علمتم شأنهم وما أرادوا ؟ » قالوا : لا ، والله يا رسول الله ، قال : «فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها ، وإن الله تعالى قد أخبرني بأسمائهم ، وأسماء آبائهم ، وهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، وأبو حاضر الأعرابي ، وأبو عامر ، والجلاس بن سويد بن الصامت ، ومجمع بن جارية وفليح التيمي ، وحصين بن نمير ، وطعمة بن أبيرق وعبد الله بن عيينة ، ومرة بن الربيع» ، قيل : يا رسول الله ، أفلا تأمر بهم فتضرب [ ص: 263 ] أعناقهم ، قال : أكره أن يتحدث الناس ، ويقولوا : إن محمدا وضع يده في أصحابه» ، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم ، فقال : «أردتم كذا وكذا» فحلفوا بالله ما قالوا ، ولا أرادوا الذي سألهم عنه فذلك قوله تعالى : يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا [التوبة 74] فهم اثنا عشر رجلا ، حاربوا الله ورسوله ، وكان أبو عامر رأسهم ، وله بنوا مسجد الضرار .


