الباب السابع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام
وقد خمدت نار فارس لنبينا صلى الله عليه وسلم . روى أوتي النجاة من النار ، عن أبو نعيم عباد بن عبد الصمد قال : أتينا رضي الله عنه قال : يا جارية ، هلمي المائدة نتغدى ، فأتت بها ثم قال : هلمي المنديل فأتت بمنديل وسخ ، فقال : اسجري التنور ، فأوقدته ، فأمر بالمنديل فطرح فيه ، فخرج أبيض كأنه اللبن ، فقلنا : ما هذا ؟ قال : هذا منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح به وجهه ، فإذا اتسخ صنعنا به هكذا؛ لأن النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء ، أنس بن مالك وألقي غير واحد من أمته في النار ، فلم تؤثر فيه ، منهم : ذؤيب بن كليب بن ربيعة الخولاني ، وروى ابن وهب عن أن ابن لهيعة الأسود العنسي لما ادعى النبوة ، وغلب على صنعاء أخذ ذؤيب بن كليب فألقاه في النار لتصديقه بالنبي صلى الله عليه وسلم فلم تضره النار ، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فقال الحمد لله الذي جعل في أمتنا مثل عمر : إبراهيم الخليل .
وروى من طريق ابن عساكر عن إسماعيل بن عياش شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود تنبأ فبعث إلى فأتاه فقال : أتشهد أني رسول الله ؟ قال : ما أسمع ، قال : تشهد أن أبي مسلم الخولاني ، محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، فأتى بنار عظيمة ، ثم ألقى أبا مسلم فيها فلم تضره ، فقيل للأسود : إن لم تنف هذا عنك فسد عليك من اتبعك ، فأمره بالرحيل ، فقدم المدينة وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف فقال أبو بكر ، الحمد لله الذي ألبثني حتى أراني في أمة أبو بكر : محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صنع بإبراهيم خليل الرحمن ، ومنهم عمار بن ياسر .
قال ابن سعد : حدثنا يحيى بن حماد أنبأنا عن أبو عوانة أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال : أحرق [ ص: 267 ] المشركون بالنار ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ويمر يده على رأسه فيقول : عمار بن ياسر عمار ، كما كنت على «يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ، تقتلك الفئة الباغية» .
وأوتي الخلة
فقد أخرج ابن ماجه رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأبو نعيم إبراهيم خليلا ، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين والعباس بيننا ، مؤمن بين خليلين» . «إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ
وروى عن أبو نعيم رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل وفاته بخمس : كعب بن مالك . «إن الله اتخذ صاحبكم خليلا»
وروى الطيالسي ، وابن أبي شيبة ، برجال ثقات عن وابن منيع رضي الله عنه ابن مسعود إبراهيم خليلا ، وإن صاحبكم خليل ، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم أكرم الخلائق على الله ، ثم قرأ : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء 79] زاد إن الله تبارك وتعالى اتخذ ابن منيع : وإن محمدا سيد ولد آدم وسيد الناس يوم القيامة ، قال وقد حجب أبو نعيم : إبراهيم عن نمرود بحجب ثلاث ، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم حجب عن من أراد قتله ، وقد تقدم ذلك في الباب ، وقد ناظر إبراهيم نمرودا فبهته بالبرهان والحجة كما قال تعالى : فبهت الذي كفر [البقرة 258] وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أتى أبي بن خلف يكذب بالبعث بعظم بال ففركه ، قال : من يحيي العظام وهي رميم ؟ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة [يس 79] وهذا البرهان القاطع ، وقد كسر فأنزل الله تعالى : إبراهيم أصنام قومه غضبا لله ، ونبينا صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصنام قومه وهي ثلاثمائة وستون صنما فتساقطت ، كما تقدم في فتح مكة ، قال الشيخ رضي الله عنه : ومما أوتيه إبراهيم كلام الأكبش ، روى عن ابن أبي حاتم علباء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان البيت فقال : ما لكما ولأرضي ؟ ! فقالا : نحن عبدان مأموران ، أمرنا ببناء هذه الكعبة قال : فهاتا البينة على ما تدعيان ، فقام خمسة أكبش فقلن : نحن نشهد أن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عدة من الحيوانات ومن معجزاته ما رواه عن ابن أبي شيبة أبي صالح قال :
انطلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام يمتار فلم يقدر على الطعام ، فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله ، فقالوا : ما هذا ؟ قال : حنطة حمراء ، فوجدوها حنطة حمراء ، فكان إذا زرع منها شيء خرج سنبلها من أصلها إلى فرعها حبا متراكما ، وقد تقدم في النوع الأول من الباب نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم في السقاء الذي زوده لأصحابه وملأه ماء ، ففتحوه فإذا لبن وزبد ، وقال إبراهيم : والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين [الشعراء 82] قال الله تعالى :
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح 2] وقال إبراهيم : ولا تخزني يوم يبعثون [الشعراء 87] وقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه [التحريم 8] [ ص: 268 ]
وقال إبراهيم حين ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل ، وقال الله لمحمد : يا أيها النبي حسبك الله [الأنفال 64] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ووجدك ضالا فهدى [الضحى 7] وقال إبراهيم : واجعل لي لسان صدق في الآخرين [الشعراء 84] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ورفعنا لك ذكرك [الشرح 4] وقال إبراهيم : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [إبراهيم 35] وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [الأحزاب 33] وقال إبراهيم : واجعلني من ورثة جنة النعيم [الشعراء 85] وقال الله لمحمد : إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر 1] .