الثانية عشرة : وبتحريم شرب الترياق . 
الثالثة عشرة : وتعليق تميمة . 
روى  أبو داود  عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي  قال : سمعت  عبد الله بن عمرو-  رضي الله تعالى عنه- يقول : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :  "ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا ، أو علقت تميمة ، أو قلت الشعر من قبل نفسي"  
قال  أبو داود :  هذا كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة ، وقد رخص في الترياق  لغيره . 
وروى الإمام العلامة ولي الله الشيخ شهاب الدين بن رسلان  في شرح سنن  أبي داود   "أبالي" بضم الهمزة "وما أتيت" بفتح التاء الأولى ، أي لا أكثرت لشيء من أمر ديني ، ولا أهتم بما فعلته إن أنا فعلت هذه الثلاثة أو شيئا منها . والترياق ليس المراد منه ما كان نباتا أو حجرا ، بل المختلط بلحوم الأفاعي ، يطرح منها رأسها وأذنابها ، وتستعمل أوساطها في الترياق ، وهو محرم لأنه نجس وإن أخذ الترياق من أشياء طاهرة ، فهو طاهر ، ولا بأس بأكله وشربه ، وممن رخص فيما فيه شيء من الحيات مالك ، ويقتضيه مذهب الشافعي لإباحة التداوي ببعض المحرمات . 
والتميمة جمعها تمائم . 
قال  البيهقي :  يقال إن التميمة خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات . 
وفي النهاية : التمائم خرزات كانت العرب يرون تعلقها على أولادهم ، يتقون بها العين في زعمهم ، فأبطله الإسلام ، ورد عليهم اعتقادهم الفاسد والضلال ، إذ لا نافع ولا دافع إلا الله تعالى . 
الرابعة عشرة : وبتحريم نزع لأمته إذا لبسها قبل أن يقاتل . 
روى  الإمام أحمد  وابن سعد   والدارمي  عن  جابر بن عبد الله-  رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم أحد :  "ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل"   . 
ورواه  البخاري  تعليقا ،  والبيهقي  عن  ابن عباس-  رضي الله تعالى عنهما- اللأمة بالهمز كما قيده صاحب المشارق وغيره : الدرع ، ونقل ابن مالك  عن  الزهري  أنها السلاح كله ، وجمعها لأم كتمر ، وجمعت أيضا على لؤم كرطب على غير قياس . 
كما قال الجوهري  فإنها جمع لؤمة بضم اللام واستلأم الرجل لبس لأمته .  [ ص: 417 ] 
الخامسة عشرة : وبتحريم الرجوع إذا خرج لحرب . 
السادسة عشرة : وبتحريم الانهزام إذا لقي العدو ، وإن كثر عليه العدد ذكرهما ابن سراقة  في الأعداد ، وأبو سعيد  في "الشرف" . 
روى السلمي  في الحقائق عن الفيروذابادي  في قوله تعالى : الآن خفف الله عنكم   [الأنفال - 66] قال : هذا التخفيف كان للأمة دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ومن لا يثقله حمل أمانة النبوة ، كيف يخاطب بتخفيف اللقاء للامتداد ؟ وكيف يخاطب وهو الذي يقول : بك أصول بك أجول ؟ ومن كان به كيف يخفف عنه ، أو يثقل عليه ؟ ونقله الطيبي  من حاشية الكشاف وأقره . 
السابعة عشرة : وبتحريم مد العين إلى ما متع به الناس  قال الله- سبحانه وتعالى- : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى   [طه - 131] . 
وقال تبارك وتعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم  لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم   [الحجر - 87 ، 88] . فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي الزجر عن التشوق إلى متاع الدنيا على الدوام ، فما الجمع بين ذلك وبين قوله  "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة"  . 
والجواب : أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن متشوقا إلى زخرف الدنيا ولذاتها ولقد عرض عليه أن تكون له جبال مكة ذهبا تسير معه حيث سار فأباها ، واختار الافتقار إلى الله تعالى . معلوم أن الذهب يتحصل به جميع ما يقصده من أعراض الدنيا وزخارفها ، وتقلله من الدنيا أمر شائع ذائع أصحت به الأحاديث . وتقدم بعض ذلك في باب زهده -صلى الله عليه وسلم- إذا تقرر ذلك ، فحبه للنساء والطيب ليس من زهرة الدنيا والافتتان ، بل هو من أعمال الآخرة المحصلة لمعالي الدرجات ، وبيان ذلك أنه حبب إليه كثرة النساء ، ليطلعن على ما لديه من بواطن الشريعة وظواهرها ، فينقلنه ويعلنه للناس ، أو يكون التشريع بسببهن ، وخصوصا مما يستحيي الرجال من ذكره والسؤال عنه ، فإنهن كن يطلعن من أحواله -صلى الله عليه وسلم- ، وأقواله على ما لا يطلع عليه غيرهن ، فقد تعلمن عنه -صلى الله عليه وسلم- ما رأينه في منامه ، وحال خلوته من الآيات البينات على نبوته ، ومن جده واجتهاده ، ولم يشاهدها غيرهن ، فحصل من ذلك من الفوائد الأخروية ما لا يحصى وأما حبه للطيب ، فلأجل نزول الملك عليه ، وملازمته له بالوحي ، ولهذا كان يمتنع من تناول ما له رائحة كريهة ، وقال : إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ، فظهر بذلك أن حبه للنساء ، والطيب كان لمصلحة أخروية .  [ ص: 418 ] 
الثامنة عشرة : وبتحريم خائنة الأعين .  
روى  أبو داود   والنسائي   والحاكم  وقال صحيح على شرط  مسلم  عن  سعد بن أبي وقاص   (رض ) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح ، أمن الناس إلا أربعة نفر منهم عبد الله بن أبي سرح ، فاختبأ عند  عثمان بن عفان ،  فلما دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى البيعة جاء به  عثمان  فقال : يا رسول الله ، بايع عبد الله ، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه ، فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال : أما منكم رجل رشيد يقوم إلى هذا الخبيث ؟ إني كففت يدي عن بيعته لتقتله ، قالوا : ما درينا يا رسول الله ما في نفسك ، هلا أومأت بعينيك ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين"  . 
وروى ابن سعد  نحوه عن  سعيد بن المسيب  مرسلا وقال في آخره :  "الإيماء خيانة ليس لنبي أن يومئ"  . 
قال  الرافعي :  فسروا خائنة الأعين بالإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب ، على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال ، وإنما قيل له خائنة الأعين ، لأنه يشبه الخيانة من حيث يخفى ، ولا يحرم ذلك على غيره إلا في محظور . 
وقال  ابن الأثير :  معناها أن يضمر من نفسه غير ما يظهره ، فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان ، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين . 
سميت خائنة الأعين أي : ما يخونون فيه مسارقة النظر إلى ما لا يحل ، والخافية بمعنى الخيانة ، وهي من المصادر التي جاءت بلفظ الفاعل كالعاقبة . 
التاسعة عشرة : قيل وبتحريم أن يخدع في الحرب . قاله ابن القاص ، وخالفه المعظم لما رواه الشيخان عن جابر (رض) قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :  "الحرب خدعة"   . واختلف في ضبط قوله "خدعة" "خدعة" فقيل بفتح الخاء المعجمة ، وضمها مع سكون المهملة فيهما ، أو بضم أوله وفتح ثانيه . 
قال النووي-رحمه  الله تعالى- : اتفقوا على أن الأول أفصح . وحكى المنذري لغة رابعة ، الفتح فيهما . 
وحكى مكي  ومحمد بن عبد الواحد  لغة خامسة ، كسر أوله مع الإسكان ، وأصل الخدع : إظهار أمر ، وإضمار خلافه . وقال  القاضي أبو بكر بن العربي :  الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك . 
وقال ابن المنير :  معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها ، الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة ، وذلك لخطر المواجهة ، وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر . انتهى .  [ ص: 419 ] 
فإن قيل : إذا كان أصل الخداع إظهار أمر ، وإضمار خلافه فيكون هو وخائنة الأعين سواء ، فيصح ما استنبطه ابن القاص ، لأنه لا فرق بينهما ، فالجواب بأنهما ليسا سواء ، وإن اتفقا في المعنى ، والفرق بينهما من وجه آخر ، وهو أن الإيماء والتلويح بالمرء ممن يحط من قدر فاعله ويسقط الهيبة ، فلذلك منع منه -صلى الله عليه وسلم- لشرفه وكمال منزلته ، وأما الإيهام في الأمور العظام كمكائد الحروب وخصوصا لأعداء الدين ، فإنها معدودة من قبيل حسن السياسات ، وكمال العقول ، ونهاية المعارف فهي لا تزري بصاحبها بل تزيده رفعة . أشار إلى ذلك إمام الحرمين ، ويؤيده ما في الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا أراد سفرا ورى بغيره" . 
ويحتمل أن يفرق بوجه آخر ، وهو أن الخداع المأذون فيه مخصوص بحالة الحرب وما قاربها ، بخلاف "خائنة الأعين" فإنها في غير ذلك ، فإن القصة اتفقت في حالة المبايعة ، وليست بحالة الحرب . 
العشرون : وبتحريم الصلاة على من مات وعليه دين من غير ضامن  ثم نسخ التحريم ، فكان -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له ، ويوفيه من عنده . 
الحادية والعشرون : وبتحريم الإغارة إذا سمع التكبير .  قاله ابن منيع .  
روى الشيخان عن  أنس   (رض) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا غزا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر ، فإن سمع أذانا كف عنهم ، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم . 
الثانية والعشرون : وبتحريم قبول هدية مشرك .  
الثالثة والعشرون : والاستعانة به . 
روى  البخاري  في تاريخه عن حبيب بن يساف-  رضي الله تعالى عنه- قال : خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجها فأتيته أنا ورجل من قومي ، قلنا إنا نكره أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال : "أو أسلمتما ؟ " قلنا : لا قال : "إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين"  . 
الرابعة والعشرون : وبتحريم الشهادة على جور .  
روى الشيخان عن  النعمان بن بشير-  رضي الله تعالى عنهما- أنه قال : سألت أمي أبي لي بعض الموهبة من ماله ، ثم بدا له فوهبه لي ، فقالت : لا أرضى حتى تشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة قال : "ألك ولد سواه ؟ " قال : نعم ، قال : فأراه قال : "لا تشهدني على جور" . وفي لفظ لهما فقال : "أكل ولدك نحلت" مثله ؟ فقال : لا قال : "فأرجعه"  . 
وفي رواية  لمسلم :   "لا أشهد على جور ، أشهد على هذا غيري"  . وظاهر هذا الحديث : التسوية بين الأولاد في الهبة ،  ويحمل الأمر في ذلك على الندب ، والنهي للتسوية .  [ ص: 420 ] 
وأما إذا فضل بعضهم على بعض ، فمذهب  الشافعي   وأبي حنيفة   ومالك ،  رحمهم الله تعالى- أنه مكروه وليس بحرام ، والهبة صحيحة . 
وقال  الإمام أحمد :  هو حرام ، واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام :  "لا تشهدني على جور" ، واحتج  الشافعي  بقوله :  "أشهد على هذا غيري"  . 
فإن قيل : قاله تهديدا ، قلنا : الأصل في كلام الشارع غير هذا ، ويحتمل عند إطلاقه صيغة أفعل على الوجوب أو الندب ، فإن تعذر فعلى الإباحة ، وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- :  "لا أشهد على جور" ، فليس فيه أنه حرام ، لأن الجور هنا الميل عن الاستواء والاعتدال فكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور ، سواء كان حراما أو مكروها ، وقد وضح بما قدمناه 
وقوله -صلى الله عليه وسلم- :  "أشهد على هذا غيري" دليل على أنه ليس بحرام ، فيجب تأويله على أنه مكروه كراهة تنزيه ، قاله النووي  في شرح  مسلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					