التاسعة : وبتحريم وهو ذكر الرأي عنده ، أو فعله ، قبل رأيه -صلى الله عليه وسلم- ، قال الله- تبارك وتعالى- التقدم بين يديه -صلى الله عليه وسلم- بالقول والفعل ، يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [الحجرات - 1] لأن من قدم قوله أو فعله ، على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد قدم على الله ، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما يأمر من أمر الله ، والمعنى لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به ، لأن "بين اليدين" ها هنا الإمام والقدام فتضمن حمله على قدام الأمر والنهي ، فقدم هنا بمعنى تقدم كما في قولهم بين وتبين وفكر وتفكر ، وهذا باق إلى يوم القيامة لم ينسخ فالتقدم بين يدي نبيه ، بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته لا فرق بينهما عند ذي عقل سليم .
العاشرة : كذا قاله وبأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يستشفى به ، وهو شامل لذاته الشريفة -صلى الله عليه وسلم- قولا وفعلا كدعائه ومس يده والغسل بريقه والتمسح بفضل وضوئه ونخامته وعرقه ، وهذا أمر مشهور وقد تقدم بيان ذلك في المعجزات . الرافعي
فإن قيل ما وجه الخصوصية في ذلك وغيره من الأولياء قد كان يستشفى بدعائه ولمس يده وبريقه وشعره وعرقه ويتبرك بذلك ؟ فالجواب عن ذلك أن هذا الاستشفاء من النبي -صلى الله عليه وسلم- متيقن الإجابة بخلاف غيره ، فإنه مظنون وقد تتخلف الخصوصية في اليقين . [ ص: 455 ]
الحادية عشرة : وبأن النجس منا طاهر منه .
الثانية عشر : ويستسقى به .
روى البزار والطبراني والحاكم بسند حسنه الشيخ عن والبيهقي قال عبد الله بن الزبير احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاني الدم فقال : "اذهب فغيبه" فذهبت فشربته ، ثم أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي "ما صنعت ؟ " قلت غيبته قال "لعلك شربته" قلت : شربته .
وروى في السنن عن الدارقطني قالت : أسماء بنت أبي بكر جبريل فأخبره فقال "ما صنعت ؟ " قال كرهت أن أصب دمك فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تمسك النار ، ومسح على رأسه وقال : "ويل للناس منك وويل لك من الناس" . إن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم فدفع دمه إلى ابني فشربه ، فأتاه
وروى عن الحاكم رضي الله تعالى عنه- قال أبي سعيد الخدري- مالك بن سنان" . شج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد فتلقاه أبي فلحس الدم عن وجهه بفمه وازدرده فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "من سره أن ينظر إلى رجل خالط دمه دمي فلينظر إلى
ورواه عن سعيد بن منصور عمرو بن السائب مرسلا وروى البزار وأبو يعلى وابن أبي خيثمة في السنن والبيهقي عن والطبراني قال : سفينة احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس فذهبت فشربته ثم جئت فقال ما صنعت ؟ فأخبرته فضحك .
ورواه من طريق ابن عدي شريح بن يونس ثنا ثنا ابن أبي فديك برية بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده بلفظ : خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير أو قال الناس والدواب شك ابن أبي فديك .
ورواه أبو الحسن بن الضحاك قال : حدثنا أبو الحكم حدثنا أبو الغنائم حدثنا عبد الله بن عبيد الله أنبأنا أبو عبد الله المحاملي أنبأنا علي بن شعيب أنبأنا فذكره . ابن أبي فديك
وروى أبو يعلى والطبراني والدارقطني والحاكم عن وأبو نعيم رضي الله تعالى عنها- أم أيمن- . قالت قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الليل إلى فخارة فبال فيها ، فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها ، فلما أصبح أخبرته فضحك وقال "أما إنك لا يتجعن بطنك أبدا" ولفظ أبي يعلى "إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبدا"
وروى عن عبد الرزاق قال ابن جريج بركة كانت تخدم جاءت بهم من أرض أم حبيبة الحبشة فقال "أين البول الذي كان في القدح ؟ " قالت شربته قال : "صحة يا أم يوسف" وكانت تكنى أم يوسف ، فما مرضت قط حتى ماتت فيه . [ ص: 456 ] أخبرت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبول في قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره ، فجاء فإذا القدح ليس فيه شيء فقال لامرأة يقال لها
وصحح أنهما قضيتان وقعتا لامرأتين وهو واضح من اختلاف السياق وصحح أن بركة أم يوسف غير بركة أم أيمن ، وهو الذي ذهب إليه ابن دحية شيخ الإسلام البلقيني كما دل عليه كلامه في "التدريب" .
وروى الطبراني بسند صححه الشيخ عن والبيهقي حكيمة بنت أميمة عن أمها قالت : . كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت سريره ، فقام فطلبه فسأل عنه فقال أين القدح : فقالوا : شربته برة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لقد احتظرت من النار بحظار"
وموضوع الدلالة من هذه الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على ولا ابن الزبير ولا من فعل مثل فعلها ، ولا أمرهم بغسل الفم ، ولا نهاهم عن العود إلى مثله ، ومن حمل ذلك على التداوي ، قيل له : قد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أم أيمن رواه "إن الله لا يجعل شفاء أمته فيما حرم عليها" في صحيحه فلا يصح حمل الأحاديث على ذلك بل هي ظاهرة في الطهارة . ابن حبان
الثالثة عشر : وبأن من زنا بحضرته واستهان به كفر .
قال والدليل على ذلك قوله تعالى : الرافعي : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا [الفتح - 8 ، 9] قال المفسرون معنى تعزروه أي تعظموه وتفخموه فالضمير عائد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فالوقف تام بقوله تسبحوه أي تسبحوا الله تعالى بكرة وأصيلا فيكون معنى الكلام راجعا إلى الله-عز وجل- وهو وسبحوه من غير خلاف ويكون بعض الكلام راجعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو التوقير والتعظيم وهو من باب اللف والنشر المشوش .
فكما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرسل إلى الخلق كافة ليأمرهم بالإيمان كذلك هو مرسل إليهم ليأمرهم بنصرته وتوقيره فمن خالف موجب ذلك كفر .