الباب السادس في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في رقية القرحة والجرح
روى الشيخان عن -رضي الله تعالى عنها- قالت : عائشة
بسم الله تربة أرضنا ، بريقة بعضنا يشفى سقيمنا ، بإذن ربنا . أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتكى الإنسان الشيء أو كانت به قرحة أو جرح ، قال بإصبعه يعني سبابته بالأرض ، ثم رفعها وقال :
وروى في تاريخه عن الحاكم -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أبي هريرة «تربة أرضنا شفاء لقرحنا» .
وروى : «تربة أرضنا بريقة بعضنا تشفي سقيمنا بإذن ربنا» .
قال النووي : معنى الحديث أنه أخذ من ريق نفسه ، على أصبعه السبابة ثم وضعها على التراب فعلق به شيء منه ثم مسح به الموضع العليل ، أو الجرح قائلا الكلام المذكور في حالة المسح .
قال زعم بعض علمائنا أن السر فيه أن تراب الأرض لبرودته ويبسه يبرئ الموضع الذي به الألم ، ويمنع انصباب المواد إليه ليبسه مع منفعته في تجفيف الجروح واندمالها . [ ص: 81 ] القرطبي :
وقال في الريق : لأنه يختص بالتحليل والإنضاح وإبراء الجراح والورم ، ولا سيما في الصائم الجائع ، وتعقبه بأن ذلك إنما يتم إذا وقعت المعالجة على قوانينها مع مراعاة مقدار التراب في الريق وملازمة ذلك في أوقاته وإلا فالنفث ووضع السبابة على الأرض إنما يعلق بها ما ليس له بال ولا أثر ، وإنما هذا من باب وإنما وضع بالأرض فلعله لخاصية في ذلك ، وقال التبرك بأسماء الله تعالى وآثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلا في النضج ، وتعديل المزاج ، وتراب الوطن له تأثير في حفظ المزاج ودفع الضرر ، فقد ذكروا أنه ينبغي للمسافر أن يستصحب تراب أرضه ، إن عجز عن استصحاب مائها ، حتى إذا ورد المياه المختلفة جعل شيئا منه في سقائه ، ليأمن من مضرة ذلك ، ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتعاقد العقول عن الوصول إلى معرفتها . البيضاوي :
وقال التوربشتي : كأن المراد بالتربة الإشارة إلى فطرة آدم وبالريقة الإشارة إلى النطفة ، كأنه تضرع بلسان الحال ، إنك اخترعت الأصل الأول من التراب ثم أبدعته من ماء مهين ، فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته .
وقال النووي : وقيل : المراد ب : «أرضنا» أرض المدينة لبركتها و «بعضنا» رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لشرف ريقه ، يشفى سقيمنا : بضم أوله على البناء للمجهول ، وسقيمنا بالرفع ، وبفتح أوله على أن الفاعل مقدر وسقيمنا بالنصب على المفعولية .