تنبيه :
أخرج من طريق البيهقي أرطأة قال : اجتمع رجال من أهل الطب عند ملك من الملوك ، فسألهم : ما رأس دواء المعدة ؟ فقال كل رجل منهم قولا ، وفيهم رجل ساكت ، فلما فرغوا قال : ما تقول أنت ؟ قال : ذكروا أشياء وكلها تنفع بعض النفع ، ولكن ملاك ذلك ثلاثة أشياء : لا تأكل طعاما أبدا إلا وأنت تشتهيه ، ولا تأكل لحما يطبخ لك حتى يتم إنضاجه ، ولا تبتلع لقمة حتى تمضغها مضغا شديدا لا يكون على المعدة فيها مؤونة .
وروى عن البيهقي إبراهيم بن علي الذهلي قال : «أخرج من جميع الكلام أربعة آلاف كلمة ، وأخرج منها أربعمائة كلمة ، وأخرج منها أربعون كلمة ، وأخرج منها أربع كلمات ، أولهن : لا تثقن بالنساء . والثانية : لا تحمل معدتك ما لا تطيق ، والثالثة : لا يغرنك المال ، والرابعة : يكفيك من العلم ما ينتفع به .
والأمور الطبيعية سبعة :
إحداها :
الأركان ، وهي أربعة : النار وهي حارة يابسة باردة .
الثاني :
المزاج ، وأقسامه تسعة ، وهي منقسمة إلى : معتدل ، وغير معتدل .
فالمعتدل : واحد .
وغير المعتدل : إما مفرد ، وهو أربعة : حار ، وبارد ورطب ويابس .
وإما مركب ، وهو أربعة أيضا : حار يابس ، وحار رطب ، وبارد يابس ، وبارد رطب . وأعدل أمزجة الحيوان مزاج الإنسان ، وأعدله مزاج المؤمنين ، وأعدله مزاج الأنبياء ، وأعدله مزاج المرسلين ، وأعدله مزاج أولي العزم ، وأعدل أولي العزم مزاجا مزاج محمد -صلى الله عليه وسلم- وعليهم أجمعين؛ وذلك أن من فوائد الأطباء أن أخلاق النفس تابعة لمزاج البدن ، فكلما كان أعدل كانت أخلاق النفس أحسن .
إذا علم ذلك فالحق- سبحانه وتعالى- قد شهد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه على خلق عظيم ، وقالت -رضي الله تعالى عنها- : عائشة «كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن» .
فلزم من ذلك أن مزاجه -صلى الله عليه وسلم- أعدل الأمزجة ، وإذا كان كذلك كان خلقه أحسن [ ص: 97 ] الأخلاق ، والشباب أعدل ، والصبيان أرطب ، والكهل والشيخ أبرد ، وأعدل الأعضاء مزاجا جلد أنملة السبابة ، ثم جلد الأنامل ، وأحر الأعضاء القلب ثم الكبد ثم اللحم .
قال ومن قدرته تعالى ولطفه جعل عقله في دماغه ، وسره في كليته ، وغضبه في كبده ، وصرامته في قلبه ، وصحته في طحاله ، وحزنه وفرحه في وجهه ، وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا ، وأبردها العظم ثم العصب ثم النخاع ثم الدماغ ، وأيبسها العظم ، وأرطبها السمين . وهب بن منبه :
وثالثها :
الأخلاط الأربعة ، فإذا تساوت في الشخص اعتدل خلقه ، فإذا غلب أحدهم سمي الشخص باسم ما يغلب عليه منها ، فيقال لصاحب الدم- وهو أفضلها- وهو رطب حار دموي .
وفائدته : تغذية البدن الطبيعي ومنه يتولد عنه حمرة العينين ، والرمد والجدري والدماميل والأورام الرخوة وأمراض أخر ، ثم البلغم ، وهو رطب بارد .
فائدته : أن يستحيل دما إذا فقد البدن الغذاء ، وأن يرطب الأعضاء لئلا تجففها الحركة .
والطبيعي منه : ما قارب الاستحالة إلى الدموية .
وغير الطبيعي منه : المالح ، ويميل إلى حرارة ، والحامض ويميل إلى البرد والمشيخ وهو خالص البرد ، ويتولد منه البرص ، والفالج ، والحمى المطبقة ، وأمراض أخر ، ثم الصفراء وينصب جزء منها إلى الأمعاء ، فينبه على خروج البخر .
والطبيعي منها : أحمر خفيف .
وغير الطبيعي : فالمخي والكداني والزنجاري والاحتراقي وهو في الزنجاري أقوى من الكداني ، فلذلك ينذر بالموت ، وتسمى المرة الصفراء ، وينشأ عنه الصداع واليرقان الأصفر ، والأورام الصفيراء ، وحمى الغب ، وأمراض أخر ، ثم السوداء وهي يابسة باردة ، وهي تغلظ الدم ، وتغذي الطحال والعظام ، وينصب جزء منها إلى فم المعدة ، فينبه على الجوع لحموضتها .
والطبيعي منها : رديء الدم .
وغير الطبيعي : يحدث عن احتراق أي خلط كان ، ويسمى المرة السوداء ، وينشأ عنها الجذام والجرب والحكة والفالج والسكتة وحمى الثلث .
ورابعها :
الأعضاء الأصلية ، وهي تتولد من المني .
وخامسها :
الأرواح .
وسادسها :
القوى ، وهي ثلاث : الطبيعية ، والحيوانية ، والنفسانية . [ ص: 98 ]
وسابعها :
الأفعال ، وهي الجذب والدفع .
وأحوال بدن الإنسان ثلاثة : الصحة ، والمرض ، وحالة لا صحة ولا مرض ، كالناقة ، وهو الذي برئ من مرضه ولم يرجع لحالته الأولى ، والشيخة .
فالصحة هيئة بدنية تكون الأفعال معها سليمة ، فالعافية أفضل ما أنعم الله على الإنسان بعد الإسلام ، إذ لا يتمكن الإنسان من حسن تصرفه والقيام بطاعة ربه إلا بوجودها ، ولا مثل لها ، فليشكرها العبد ولا يكفرها .
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- : رواه «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ» البخاري .
وقال -عليه الصلاة والسلام- : رواه النسائي . «سلوا الله العفو والعافية ، فإنه ما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من معافاة»
وعنه -صلى الله عليه وسلم- : «ما سئل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية» رواه الترمذي .
وسأل أعرابي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، ما أسأل الله بعد الصلوات ؟ قال : «سل الله العافية» .
وفي حكمة داود -عليه الصلاة والسلام- : «العافية ملك خفي ، وغم ساعة هرم سنة» .
وقيل : العافية تاج على رؤوس الأصحاء ، لا يبصرها إلا المرضى .
وقيل : العافية نعمة مغفول عنها .
وكان بعض السلف يقول : كم لله من نعمة تحت كل عرق ساكن ، اللهم ارزقنا العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة .
والمرض : حالة مضادة للصحة ، يخرج بها الجسم عن المجرى الطبيعي ، وكل مرض له ابتداء فيزيد ، وانحطاط وانتهاء .
والأسباب ستة :
أحدها :
الهواء ، ويضطر إليه لتعديل الروح ، فما دام صافيا لا يخالطه نتن وريح خبيثة ، كان حافظا للصحة ، فإن تغير تغير حكمه ، وكل فصل فإنه يورث الأمراض المناسبة له ، ويزيل المضادة له ، فالصيف يثير الصفراء ، ويوجب أمراضها ، ويبرئ الأمراض الباردة ، والهواء البارد يشد البدن ويقويه ، ويجيد الهضم ، والحار بالضد ، وعند تغير الهواء يكون الوباء . [ ص: 99 ]
والثاني :
ما يؤكل ويشرب ، فإن كان حارا أثر في البدن حرارة ، وبالضد .
والثالث :
الحركة والسكون البدنيان ، فالحركة تؤثر في البدن تسخينا ، والسكون بالضد .
والرابع :
الحركة والسكون النفسانيان ، كما في القبض والفرح والهم والغم والخجل ، فإن هذه الأحوال تحصل بحركة الروح ، إما إلى داخل البدن ، وإما إلى خارجه .
والخامس :
النوم واليقظة ، فالنوم يغور الروح إلى داخل البدن ، فيبرد الظاهر؛ ولذلك يحتاج النائم إلى الدثار ، واليقظة بالضد .
والسادس :
الاستفراغ والاحتباس .
فالمعتدل منهما نافع حافظ للصحة ولعق الإناء يعيق على الهضم ويفتق المعدة .