الباب الرابع في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في التطبب
وفيه أنواع :
الأول : في أمره بدعاء الطبيب :
روى عن رجل من الأنصار -رضي الله تعالى عنه- قال : الإمام أحمد عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا من جرح ، فقال : «ادعوا له طبيب بني فلان ، قال : فدعوه فجاء فقال : يا رسول الله ، أويغني الدواء شيئا ؟ فقال : سبحان الله ، وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء» .
الثاني : في تضمينه -صلى الله عليه وسلم- الطبيب إذا جنى :
روى في الطب عن أبو نعيم عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : عمرو بن شعيب «من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن» .
الثالث : في كراهيته أن يسمى طبيبا :
روى أبو نعيم في الطب عن أبي رمثة قال : دخلت مع أبي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى أبي الذي بظهره ، فقال : دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب فقال : أنت رفيق والله الطبيب .
الرابع : في استعمال الفراسة والاستدلال في صناعة الطب :
روى في الطب عن أبو نعيم أبي سعيد وأبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله عز وجل .
وروى فيه عن -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أنس «أن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم» .
وروى فيه عن -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : أنس إذا رأيتم الرجل اصفر من غير مرض ولا عبادة فذلك من غش الإسلام في قلبه .
قال شيخ شيوخنا الحافظ السيوطي في المنهج السوي : قاعدة : تشريع النبي -صلى الله عليه وسلم- [ ص: 126 ] لأصحابه يدخل فيه كل الأمة إلا أن يخصه دليل ، وتطبيبه -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه . وأهل أرضه خاص بطبائعهم ، إلا أن يدل دليل على التعميم .
فائدة :
الأولى : طب النبي -صلى الله عليه وسلم- طب التجارب ، وأكثر ما وضعه -صلى الله عليه وسلم- إنما هو على مذهب العرب إلا ما خصه الله تعالى به من العلم النبوي من طريق الوحي ، فإن ذلك يخرق كل ما تدركه الأطباء ، وتعرفه الحكماء ، وكل ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصواب ، عصمه الله تعالى فلا يقول إلا صدقا أو حقا ، وقال ابن القيم : كان علاجه -صلى الله عليه وسلم- للمريض ثلاثة أنواع :
أحدها : بالأدوية الطبيعية .
والثاني : بالأدوية الإلهية .
والثالث : المركب من الأمرين .
الثانية :
أخرج في الحلية عن أبو نعيم جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : [«إن الله تعالى جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان ، ولولا ذلك لذابتا ، وجعل المرارة في الأذنين حجابا من الدواب فإن دخلت الرأس دابة والتمست الوصول إلى الدماغ ، فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج ، وجعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ، ولولا ذلك لأنتن الدماغ ، وجعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ، ويسمع الناس بها حلاوة منطقه» وأخرجه في التفسير ابن أبي حاتم في العظمة . وأبو الشيخ
الثالثة :
روى عن ابن السني عبد الله بن بسر المازني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال] : «لا تنتفوا الشعر الذي في الأنف ، فإنه يورث الأكلة ، ولكن قصوه قصا» . [ ص: 127 ]