تنبيهات
الأول : قال ليس في هذا إثبات العدوى ، وإنما هو من باب التداوي؛ فإن استصلاح الأهوية من أنفع الأشياء على تصحيح الأبدان ، وفساد الهواء من أضرها وأسرعها إلى أسقام الأبدان عند الأطباء . الخطابي :
الثاني : قال ابن القيم في الهدي : قد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة في وعن الخروج منها بعد وقوعه بها كمال التحرز؛ فإن في الدخول إلى الأرض التي هو بها تعرضا للبلاء ، وموافاة له في محل سلطانه ، وإعانة الإنسان على نفسه ، وهذا مخالف للشرع والعقل ، بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الشرع إليها ، وهي حمية عن الأمكنة والأهوية المؤذية ، وأما نهيه -عليه الصلاة والسلام- عن الخروج من بلده ففيه معنيان : نهيه عن الدخول إلى الأرض التي بها الطاعون ،
أحدهما : حمل النفس على الثقة بالله تعالى ، والتوكل عليه والصبر على المصيبة والرضى بها .
والثاني : ما قاله أئمة الطب : أنه يجب عند وقوع الطاعون السكون والدعة وتسكين هيجان الأخلاط ، ولا يمكن الخروج عن أرض الوباء والسفر منها إلا بحركة شديدة ، وهي مضرة جدا ، قال في المنهج السوي : هذا كلام أفضل الأطباء المتأخرين ، وظهر المعنى الطبي من الحديث النبوي ، وما فيه من علاج القلب والبدن وصلاحهما ، وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي وقع بها عدة حكم منها :
تجنب الأسباب المؤذية ، والبعد منها .
ومنها أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيمرضون . [ ص: 138 ]
ومنها أن لا يجاور المرضى الذين قد مرضوا بذلك ، فيحصل له بمجاورتهم من جنس أمراضهم .
الثالث : قال في المنهج السوي : وأما الثريا فالأمراض تكثر وقت طلوعها مع الفجر وسقوطها قال التميمي في كتاب «مادة البقاء» : أشد أوقات السنة فسادا وأعظمها بلية على الأجساد وقتان :
أحدهما : وقت سقوط الثريا [للمغيب عند طلوع الفجر] .
والثاني : وقت طلوعها من المشرق قبل طلوع الشمس على العالم ، بمنزلة من منازل القمر ، وهو وقت تصرم فصل الربيع وانقضائه ، غير أن الفساد الكائن عند طلوعها أقل ضررا من الفساد الكائن عند سقوطها .
وقال ابن قتيبة : يقال : ما طلعت الثريا ، ولا نأت إلا بعاهة من الناس والإبل ، وعند غروبها أهون من طلوعها ، وفي الحديث قول ثالث ، وهو أولى الأقوال : أن المراد بالنجم الثريا ، وبالعاهة الآفة التي تلحق الثمار والزرع في فصل الشتاء وصدر من فصل الربيع فيحصل في الوقت المذكور .
وقيل : المراد بالنجم طلوع النبات زمن الربيع ، ومنه : والنجم والشجر يسجدان [الرحمن 6] فإن كمال طلوعهما وتمامه يكون في فصل الربيع ، وهو الفصل الذي ترتفع فيه الآفات .