قال : وكان إسلام ابن إسحاق عقب الهجرة الأولى إلى عمر الحبشة .
قال في «الزهر» : وكان إسلامه في ذي الحجة سنة ست من المبعث وله ست وعشرون سنة فيما ذكره ابن سعد عن . ابن المسيب
قال : سنة خمس . قال ابن الجوزي : بعد إسلام أبو نعيم بثلاثة أيام . حمزة
قال : وكانوا- أي المسلمون- قريبا من أربعين من رجال ونساء وتقدم ذكرهم في الباب الثالث من أبواب المبعث . ابن إسحاق
وقال فيما رواه ابن المسيب ابن سعد : كانوا أربعين رجلا وعشر نسوة .
وروى إسحاق بن بشر عن أنهم كانوا يومئذ تسعة وتسعين رجلا وثلاثا وعشرين امرأة ثم إن ابن عباس أسلم . عمر
قال في الزهر : ولعل هذا هو الصواب ، فقد كان في الحبشة ثلاثة وثمانون كما ذكر . ابن إسحاق
قلت : إنما ذكر ذلك في الذين هاجروا ثانيا وإسلام ابن إسحاق كان بين الهجرتين كما تقدم عن عمر ، فالزيادة على الأربعين حصلت بعد إسلام ابن عباس . عمر وإسحاق كذاب يضع ، لا يصادم ما رواه ما ذكره الثقات . والله أعلم .
واختلف في سبب إسلامه كما سأبينه .
وقد روى قصة إسلامه ، ابن إسحاق وابن سعد ، وأبو يعلى ، عن والحاكم ، أنس والبزار عن والطبراني أسلم مولاه عنه ، عن وأبو نعيم . ابن عمر
قال أسلم مولاه عنه : أتحبون أن أعلمكم بإسلامي؟ قلنا : نعم قال : كنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست يوما مع أبي جهل بن هشام أو شيبة بن ربيعة ، فقال أبو جهل : يا معشر قريش إن محمدا قد شتم آلهتكم وسفه أحلامكم وزعم أن من مضى من آبائكم يتهافتون في النار ، ألا ومن قتل محمدا فله علي مائة ناقة حمراء وسوداء وألف أوقية من فضة .
قال : فخرجت متقلدا السيف متنكبا كنانتي أريد النبي صلى الله عليه وسلم ، فمررت على عجل وهم يريدون ذبحه فقمت أنظر إليهم فإذا صائح يصيح من جوف العجل : يا لذريح ، رجل يصيح ، بلسان فصيح ، يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن عمر محمدا رسول الله . قال : فقلت في نفسي إن هذا لأمر ما يراد به إلا أنا . قال : ثم مررت بغنم فإذا هاتف يهتف ويقول : عمر
يا أيها الناس ذوو الأجسام ما أنتم وطائش الأحلام [ ص: 371 ] ومسند الحكم إلى الأصنام
فكلكم أوره كالكهام أما ترون ما أرى أمامي
من ساطع يجلو دجى الظلام قد لاح للناظر من تهام
أكرمه الرحمن من إمام قد جاء بعد الكفر بالإسلام
والبر والصلات للأرحام ويزجر الناس عن الآثام
فبادروا سبقا إلى الإسلام
بلا فتور وبلا إحجام
قال : فقلت والله ما أراه إلا أرادني . ثم مررت بالضمار فإذا هاتف يهتف من جوفه : عمر
ترك الضمار وكان يعبد مرة قبل الصلاة مع النبي محمد
إن الذي ورث النبوة والهدى بعد ابن مريم من قريش مهتدي
سيقول من عبد الضمار ومثله ليت الضمار ومثله لم يعبد
فاصبر أبا حفص فإنك امرؤ يأتيك عز غير عز بني عدي
لا تعجلن فأنت ناصر دينه حقا يقينا باللسان وباليد
قال : هو ابن إسحاق نعيم بن عبد الله النحام وكان قد أسلم وكان يخفي ذلك فرقا من قومه . فقال : أين تذهب يا ؟ قلت : أريد هذا الصابئ الذي فرق أمر ابن الخطاب قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله . فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا أترى عمر بني عبد مناف تاركيك تمشي على وجه الأرض وقد قتلت محمدا ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال : وأي أهل بيتي؟ قال : ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمر وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما . وإنما فعل ذلك نعيم ليصرف عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم . عمر
فرجع عامدا إلى أخته وختنه . عمر
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم بعض من لا شيء له ضم الرجل والرجلين إلى الرجل ينفق عليه ، وكان ضم رجلين من أصحابه إلى زوج أخت فقرع عمر عليهم الباب وعندهم عمر معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها فلما سمعوا حس خباب بن الأرت تغيب عمر في مخدع لهم أو في بعض البيت وأخذت خباب فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع حين دنا من البيت قراءة عليهما ، فلما دخل قال : ما هذه الهينمة التي سمعت؟ قالا له : ما سمعت شيئا . قال : بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما خباب محمدا على دينه . [ ص: 372 ]
وبطش بختنه فقامت إليه أخته سعيد بن زيد بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك .
فلما رأى ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به عمر محمد . وكان كاتبا فلما قال ذلك قالت له أخته : إنا نخشاك عليها . قال : لا تخافي . وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها . عمر
فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت : يا أخي أنت نجس على شركك وإنه . فقام لا يمسه إلا الطاهر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها طه فقرأها فلما قرأ صدرا منها فقال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه . عمر
وفي رواية أنه وجد في الصحيفة : بسم الله الرحمن الرحيم فذكر من أين اشتق .
ثم رجع إلى نفسه فقرأ : سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم حتى بلغ آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله . انتهى .
فلما سمع ذلك خرج إليه فقال له يا خباب والله إني لأرجو أن يكون الله تعالى قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول : اللهم أيد الإسلام عمر بأبي الحكم بن هشام أو فالله الله يا بعمر بن الخطاب عمر . فذكر الحديث .
وفي رواية عمن روى أن مجاهد قال : عمر كنت للإسلام مباعدا وكنت صاحب خمر في الجاهلية أصبها وأشربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة عند دور آل عمر بن عبد عمران المخزومي ، فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت في نفسي : فلو أني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر ، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها فخرجت فلم أجده .
فقلت في نفسي : فلو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، فكان مصلاه بين الركنين الركن الأسود والركن اليماني فقلت حين رأيته : والله لو سمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول . فقلت لئن دنوت منه أستمع لأروعنه فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابه فجعلت أمشي رويدا رويدا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة .
فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام ، فلم أزل [ ص: 373 ] قائما في مكاني حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته وانصرف ، فتبعته حتى دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنما تبعته لأوذيه فنهمني ثم قال : ما جاء بك هذه الساعة؟ قلت : جئت لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله . قال : فحمد الله تعالى ثم قال : قد هداك الله يا بن الخطاب . ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات . ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . يا بن الخطاب
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته .
وفي رواية : إن خبابا لما قال : فالله الله يا لعمر . قال له عمر عند ذلك : دلني يا عمر على خباب محمد حتى آتيه فأسلم . فقال : هو في بيته عند خباب الصفا معه نفر من أصحابه .
فأخذ سيفه متوشحه ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب ، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر من خلل الباب فرجع وهو فزع فقال : يا رسول الله هذا عمر متوشحا السيف ، فقال عمر بن الخطاب : فأذن له فإن كان يريد خيرا بذلناه له وإن كان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائذن له فإن يرد الله به خيرا يهده فأذن له الرجل وفتحوا له ، وأخذ رجلان بعضديه حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرسلوه . فأرسلوه . حمزة بن عبد المطلب
فنهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة وقال : ما جاء بك ؟ فوالله ما أراك أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة . فقال : رسول الله جئت لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله . فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يا بن الخطاب قد أسلم ، فكبروا تكبيرة سمعت بطرق عمر مكة وتفرقوا من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم مع إسلام عمر وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوهم حمزة .
وقال حين أسلم . عمر
الحمد لله ذي المن الذي وجبت له علينا أياد كلها عبر
وقد بدأنا فكذبنا فقال لنا صدق الحديث نبي عنده الخبر
وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى ربي وقالوا جميعا قد صبا عمر
وقد ندمت على ما كان من زللي بظلمها حين تتلى عندها السور
لما دعت ربها ذا العرش خالقها وأن أحمد فينا اليوم مشتهر
نبي صدق أتى بالحق من ثقة وافي الأمانة ما في وعده خور
وروى أيضا بسند صحيح عن قال : لما أسلم ابن عمر قال : أي عمر قريش أنقل للحديث؟ قيل له : جميل بن معمر الجمحي . قال : فغدا عليه . قال عبد الله : وغدوت معه أتبع أثره وأنظر ماذا يفعل حتى جاءه فقال له : أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد ؟ قال : فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه وتبعه ، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب عمر المسجد صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش - وهم في أنديتهم حول الكعبة - ألا إن قد صبأ . قال : يقول ابن الخطاب من خلفه : كذب ولكني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن عمر محمدا عبده ورسوله . وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم وطلع فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول : افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة لقد تركناها أو تتركونها لنا .
فبينا هو على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال : ما شأنكم؟ قالوا : صبأ . قال : فمه ، رجل اختار لنفسه أمرا فما تريدون منه؟ عمر
أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبكم؟ هكذا خلوا عن الرجل . قال : فوالله فكأنما كانوا ثوبا كشط عنه . فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة : يا أبي من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟ قال : ذاك أي بني العاصي بن وائل السهمي . ومات مشركا .
وروى عن البخاري رضي الله عنهما قال : بينا ابن عمر في الدار خائفا إذ جاءه عمر العاصي بن وائل السهمي وعليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير فقال : ما بك؟ قال : زعم قومك أنهم سيقتلونني لأنني أسلمت . قال : لا سبيل إليك أمنت . فخرج العاصي فلقي الناس قد سال بهم الوادي فقال : أين تريدون؟ فقالوا : نريد الذي صبأ . قال : لا سبيل إليه . فكر الناس وتصدعوا عنه . ابن الخطاب
وروى عن البخاري قال : ما زلنا أعزة منذ أسلم ابن مسعود . [ ص: 375 ] عمر
وروي عنه قال : والله ما استطعنا أن نصلي عند الكعبة ظاهرين حتى أسلم . عمر
وروى عن ابن ماجه قال : ابن عباس نزل عمر جبريل فقال : يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر . لما أسلم
وروى الإمام أحمد وقال حسن صحيح والترمذي عن وابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ابن عمر بأبي جهل أو . وكان أحبهما إليه بعمر بن الخطاب عمر . «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك :