منها إخلاص النية وخلوص الطوية ، فإنما الأعمال بالنيات فينوي التقرب إلى الله تعالى بزيارة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويستحب أن ينوي مع ذلك التقرب بالمسافرة إلى مسجده- صلى الله عليه وسلم- وشد الرحل إليه والصلاة فيه كما قاله أصحابنا وغيرهم .
قال : ولا يلزم من هذا خلل في زيارته على ما لا يخفى ، ونقل شيخ الحنفية الكمال بن الهمام عن مشايخهم : أنه ينوي مع زيارة القبر زيارة المسجد ، ثم قال : إن الأولى عندي تجريد ابن الصلاح ثم إن حصل زيارة المسجد أو يستفتح فضل الله في مرة أخرى ينويها فيها؛ لأن في ذلك زيادة تعظيمه وإجلاله- صلى الله عليه وسلم- وليوافق قوله- صلى الله عليه وسلم- : النية لزيارة قبره- صلى الله عليه وسلم- . «لا تعمله حاجة إلا لزيارتي»
قال السيد : وفيه نظر؛ لأنه- صلى الله عليه وسلم- حث أيضا على قصد مسجده؛ ففي امتثاله تعظيمه أيضا ، وقوله : «لا تعمله حاجة» .
أي لم يحث الشرع عليها ، وقد لا يسمح الزمان بزيارة المسجد ، فليغتنم قصد ذلك مع الزيارة بل ينوي أيضا الاعتكاف فيه ولو ساعة ، وإن تعلم فيه خيرا أو يتعلمه وأن يذكر الله تعالى فيه ، ويذكر به ، وإكثار الصلاة والتسليم على النبي- صلى الله عليه وسلم- وختم القرآن إن تيسر ، والصدقة على جيرانه- صلى الله عليه وسلم- وغير ذلك ما يستحب للزائر فعله ، فينوي التقرب أولا ليثاب على القصد ، فنية المؤمن خير من عمله ، وينوي اجتناب المعاصي والمكروهات حياء من الله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلم- .
[ومنها : أن يكون كلفا بالوصول إلى ذلك الجناب الرفيع والشوق إلى لقائه ، وطلب الوصول إلى مقامه من أظهر علامات الإيمان وأكبر بشائر الفوز يوم الفزع الأكبر بالأمن والإيمان ، وليزدد بالعزم شوقا وصبابة ، وكلما ازداد دنوا ازداد عزما وحنوا] . دائم الأشواق إلى زيارة الحبيب الشفيع؛
ومنها : بل يستغرق أوقات فراغه في ذلك وغيره من القربات . الإكثار في المسير من الصلاة والسلام على البشير النذير ،
ومنها : إذا المدينة وشاهد أعلامها ورباها وآكامها؛ فليستحضر وظائف الخشوع والخضوع مستبشرا بالعناء وبلوغ المنال ، وإن كان على دابة حركها أو بعيرا وضعه تباشرا بالمدينة . [ ص: 386 ] دنا من حرم
ولله در القائل :
قرب الديار يزيد شوق الواله لا سيما إن لاح نور جماله أو بشر الحادي بأن لاح النقا
وبدت على بعد رؤوس جباله فهناك عيل الصبر عن ذي صبوة
وبدا الذي يخفيه من أحواله
وقال أبو سليمان داود المالكي : في «الانتصار» إن ذلك يتأكد فعله لمن أمكنه من الرجال ، وإنه يستحب تواضعا لله تعالى وإجلالا لنبيه- صلى الله عليه وسلم- .
وحكى القاضي أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة الشريفة زائرا وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا :
ولما رأينا رسم من لم يدع لنا فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا
نزلنا على الأكوار نمشي كرامة لمن بان عنه أن نلم به ركبا
رفع الحجاب لنا فلاح لناظري قمر تقطع دونه الأوهام
وإذا المطي بنا بلغن محمدا فظهورهن على الرجال حرام
قربننا من خير من وطئ الثرى ولها علينا حرمة وذمام
أتيتك راجلا ووددت أني ملكت سواد عيني أمتطيه
وما لي لا أسير على الأماقي إلى قبر رسول الله فيه