ومنها قال الله تبارك وتعالى : تعظيمه وتوقيره؛ لأنهما واجبان حيا وميتا؛ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه [الفتح : 9] وقال تبارك اسمه : فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون [الأعراف : 157] فأخبر أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان تعزيره ، ولا خلاف أن التعزير ها هنا هو التعظيم ، فانظر ما في هذه الآية من تعظيم الله تعالى لنبينا- صلى الله عليه وسلم- ، حين قدم في الذكر تعزيره ونصرته على اتباع النور الذي أنزل معه ، وفي ذلك من الإشعار بعلو المنزلة وارتفاع الرتبة والإجلال والتوقير والتعظيم ما لا يخفى على من يفهم مواقع كلام الله سبحانه وتعالى .
وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [الحجرات : 1] .
وقال تبارك اسمه : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [الحجرات : 2] الثلاث آيات .
وقال جل وعلا : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [النور : 63] فأوجب الله تعالى تعزيره وتوقيره ، وألزم إكرامه وتعظيمه .
قال يعزروه؛ أي : يجلوه . [ ص: 393 ] ابن عباس ،
وقال : يبالغوا في تعظيمه . المبرد
وقال الأخفش : ينصروه .
وقيل : التعزير نصر مع تعظيم .
وقرئ «يعززوه» بزائين من العز ، ونهى عن التقدم بين يديه بسوء الأدب والقول ، بسبقه الكلام على قول وغيره ، وهو اختيار ثعلب . ابن عباس
وقال سهل بن عبد الله : لا تقولوا قبل أن يقول ، وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا ، ونهى عن التقدم والتعجيل بقضاء قبل قضائه فيه ، وأن يفتاتوا عليه شيئا من أمر دينهم إلا بأمره ، ولا يسبقوه به ، وإلى هذا يرجع قول الحسن ومجاهد والضحاك وحذر مخالفة ذلك بقوله تعالى : والسدي ، واتقوا الله إن الله سميع عليم [الحجرات : 1] .
قال : «اتقوا» في التقدم [المنهي عنه] . الماوردي
قال : اتقوا الله في إهمال حقه ، وتضييع حرمته ، إنه «سميع» لقولكم «عليم» بفعلكم . السدي
وقد تقدم الكلام على هذه الآيات في «الخصائص» ، وتلقي خبره بالقبول والتصديق ، دون أن يحمله معارضة خيال باطل نسميه معقولا أو نسميه شبهة أو شكا ، أو تقدم إليه آراء الرجال وزيادة أذهانهم ، فيوجد التحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما وجد المرشد بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل ، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما ، توحيد المرسل ، وتوحيد متابعة الرسل ، فلا يتحاكم إلى غيره ، ولا يرضى بحكم غيره . ورأس الأدب معه- صلى الله عليه وسلم- كمال التسليم له ، والانقياد لأمره ،