وروى عن ابن أبي الدنيا أبي حازم أن رجلا أتاه ، فحدثه أنه رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول :
قل لأبي حازم : أنت المار بي معرضا ، لا تقف تسلم علي ، فلم يدع ذلك أبو حازم منذ بلغته هذه الرؤيا .
ومنها : وإيثار ذلك على سائر الأذكار ما دام هناك . ومنها : اغتنام ما أمكن من الصيام ولو يسيرا من الأيام . إكثار الصلاة والتسليم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
ومنها والإكثار من النافلة مع تحري المسجد الذي كان فيه زمنه- صلى الله عليه وسلم- إلا أن يكون الصف الأول خارجه فهو أولى ، وإن أمكنه ملازمته ، وأن لا يفارقه إلا لضرورة أو مصلحة راجحة ، فليغتنم ذلك ، وكلما دخله فليجدد نية الاعتكاف ، ولله در القائل : الحرص على فعل الصلوات الخمس بالمسجد النبوي في الجماعة ،
تمتع إن ظفرت بنيل قرب وحصل ما استطعت من ادخاره
قال أبو مخلد : كانوا يستحبون لمن أتى المساجد الثلاثة أن يختم فيها القرآن قبل أن يخرج ، رواه سعيد بن منصور .قال أبو اليمن بن عساكر : [ ص: 400 ] وليحرص على المبيت بالمسجد ، ولو ليلة يحييها بالذكر .
والدعاء ، وتلاوة القرآن ، والتضرع إلى الله تعالى والشكر على ما أعطاه .
ومنها أن ويلتزم الأدب شريعة وحقيقة في الأقوال والأفعال . لا يستدبر القبر المقدس في صلاة ولا في غيرها من الأحوال ،
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : وإذا أردت الصلاة فلا تجعل حجرته- صلى الله عليه وسلم- وراء ظهرك ، ولا بين يديك ، وتأدب معه بعد وفاته أدبك معه في حياته من احترامه والإطراق بين يديه ، وترك الخصام وترك الخوض فيما لا ينبغي أن يخوض فيه في مجلسه ، فإن أبيت فانصرافك خير من بقائك ، ومنها : أن يجتنب ورميها في القنديل الكبير . ما يفعله جهلة العوام من التقرب بأكل التمر الصيحاني في المسجد ، وإلقاء النوى به ، وقطعهم شعورهم ،
فقد قال الإمام النووي : إن ذلك من جهالات العوام ، وبدعهم المنكرة المستبشعة .
ومنها : قياسا على الكعبة الشريفة العظيمة ، فينبغي لمن كان إدامة النظر إلى الحجرة الشريفة ، فإنها عبادة ، بالمدينة إدامة ذلك إذا كان في المسجد ، وإدامة النظر إلى القبة الشريفة ، إذا كان خارجه مع الهيبة والحضور .
ومنها : أنه خصوصا يوم الجمعة ، فيقول إذا انتهى إليه : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم ، واغفر لنا ولهم . يستحب الخروج كل يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى- : كقبر ويزور القبور الطاهرة بالبقيع ، إبراهيم بن النبي- صلى الله عليه وسلم- وعثمان والعباس والحسن بن علي وعلي بن الحسين ومحمد بن علي بن جعفر ، وجعفر بن محمد ، وغيرهم ، ويختم بصفية .
قال العلامة فضل الله ابن القاضي نصر الدين الفوري الحنفي : وإذا خرج من باب البلد يأتي قبة العباس والحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهم- ، ويختم بزيارة عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- . صفية بنت عبد المطلب
قال السيد : ولعله يكون مشهدهم أول المشاهد التي يلقاها الخارج من البلد ، فإنه يكون على يمينه ، فمجاوزتهم من غير سلام ، عليهم جفوة ، فإذا سلك تلك الطريق سلم على من يمر به بعدهم ، فيكون مروره على صفية في رجوعه ، فيختم بها .
وقال البرهان ابن فرحون : أول المشاهد وأولاها بالتقديم مشهد سيدنا أمير المؤمنين لأنه أفضل الناس بعد عثمان بن عفان؛ أبي بكر - رضي الله تعالى عنهم أجمعين- واختار [ ص: 401 ] بعضهم البدأة بقبر سيدنا وعمر إبراهيم ابن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .
قال السيد : فتلخص فيمن يبدأ به ثلاثة آراء .
ويختم الزائر إذا رجع بمشهد إسماعيل بن جعفر الصادق؛ لأنه صار داخل سور المدينة ، ومشاهد البقيع كلها خارج السور ، ويذهب إلى زيارة مالك بن سنان والد ومشهد النفس الزكية فإنهما ليسا بالبقيع ، وهو أبي سعيد الخدري ، السيد الشريف محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن- مرتين- بن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهم- قتل أيام أبي جعفر المنصور ، وهذا المشهد في جبل «سلع» .