التنبيه الثالث والستون : 
قيل : إنما أطلق على هذه الأنهار أنها من الجنة تشبيها لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة . قال  القرطبي   : والأولى أنها من أنهار الجنة .  وقال غيره : صورة انصبابها كانصباب المطر متفرقا ثم يجتمع في مواقعها في الأرض إلى أن ينساق كل منها إلى مستقره ومجراه . ويحتمل أن يكون انصبابها في نواحي الأرض  [ ص: 138 ] النائية المتصلة بمبادئ هذه الأنهار فإنه لم يقف أحد على مباديها حتى الآن . 
وروى  أبو الشيخ  في العظمة وأبو المخلص   - بوزن اسم الفاعل - بسند من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح  قال : حدثني  الليث بن سعد  قال : بلغني أنه كان رجل من بني العيص  يقال له حائد بن شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم  عليهما السلام ، خرج هاربا من ملك من ملوكهم حتى دخل أرض مصر ،  فأقام بها ، فلما رأى أعاجيب نيلها ، جعل لله عليه ألا يفارق ساحلها حتى يبلغ منتهاه ومن حيث يخرج أو يموت . 
فسار عليه ، قبل ثلاثين سنة في الناس ، وثلاثين سنة في غير الناس ، وقبل خمس عشرة كذا وخمس عشرة كذا حتى انتهى إلى بحر أخضر ، فنظر إلى النيل ينشق مقبلا ، وإذا رجل قائم يصلي تحت شجرة تفاح ، فلما رآه استأنس به وسلم عليه ، فقال له : من أنت؟ قال : أنا حائد بن شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم  عليهما السلام فمن أنت؟ قال : أنا عمران بن فلان بن العيص ،  فما الذي جاء بك يا حائد؟ .  
قال : جئت من أجل هذا النيل وهل بلغك في الكتب أن أحدا من بني آدم  يبلغه ولا أظنه غيرك قال كيف الطريق إليه؟ قال : سر كما أنت على هذا البحر فإنك ستأتي دابة ترى آخرها ولا ترى أولها فلا يهولنك آخرها ، وهي معادية للشمس إذا طلعت أهوت إليها لتلتقمها وإذا غربت أهوت إليها كذلك ، فاركبها تذهب بك إلى جانب البحر ، فسر عليها فإنها ستبلغ أرضا من حديد ، فإن جزتها وقعت في أرض من ذهب فيها ينتهي إليها علم النيل . فسار حتى انتهى إلى أرض من الذهب فسار فيها حتى انتهى إلى سور من ذهب ، وشرفة من ذهب وقبة من ذهب لها أربعة أبواب ، فنظر إلى ما ينحدر من فوق ذلك السور حتى يستقر في القبة ثم ينصرف في الأبواب الأربعة ، فأما الثلاثة فتفيض في الأرض وأما واحد فيسير على وجه الأرض وهو النيل . 
فشرب منه واستراح وهوى إلى السور ليصعد فأتاه ملك فقال له : «يا حائد  قف فإنه قد انتهى إليك علم هذا النيل ، وهذه الجنة ، وإنما ينزل من الجنة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					