التنبيه الرابع والسبعون :
قال : «في عرض الجنة عليه كرامة عظيمة لأنه كان يعرض الجنة على أمته ليشتروها كما قال عن ربه تبارك وتعالى : ابن دحية إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم [التوبة : 111] .
فأراد الله تعالى أن يعاين نبيه صلى الله عليه وسلم ما يعرضه على أمته ليكون وصفه لها عن مشاهدة ولأنه كان يدعو الناس إلى فأراد الله تعالى أن يريه الدار وكثرة ما أعد فيها من النعيم والكرامة لئلا يضن بالدعوة وليعلم أنها تسع الخلائق كلهم ولا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقا ، كما ثبت في الحديث . ويحتمل أنه إنما أراه إياها ليعلم خسة الدنيا في جنب ما رآه فيكون في الدنيا [ ص: 142 ] الجنة وهي الدار التي هيأها الله تعالى لضيافة عباده المؤمنين وبعثته صلى الله عليه وسلم داعيا إليها
أزهد وعلى الشدائد أصبر . فقد قيل : حبذا محنة تؤدي بصاحبها إلى الرخاء وبؤس نعمة تؤدي بصاحبها إلى البلاء . ويحتمل أن الله تعالى أراد ألا يكون لأحد كرامة إلا ولمحمد مثلها ، ولما كان لإدريس كرامة دخول الجنة قبل يوم القيامة أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون [ذلك] أيضا لصفيه ونجيه محمد صلى الله عليه وسلم » .