الباب الخامس في بيعة العقبة الأولى
وكانت في رجب .
وقال الزهري وابن عقبة وابن إسحاق :
فكانوا أهل كتاب وعلم ، وكانوا [هم] أهل شرك وأصحاب أوثان ، وكانوا قد عزوهم ببلادهم ، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم : إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه ، نتبعه فنقتلكم قتل عاد وإرم .
فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله أيقنوا به واطمأنت قلوبهم إلى ما سمعوا منه وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من صفته ، فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه [فأجابوه إلى ما دعاهم إليه] بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام . ثم قالوا : قد علمت الذي بيننا من الاختلاف وسفك الدماء ، ونحن حراص على ما أرسلك الله به ، مجتهدون لك بالنصيحة ، وإنا لنشير عليك برأينا ، فامكث على رسلك باسم الله حتى نرجع إلى قومنا ، فنذكر لهم شأنك ، وندعوهم إلى الله ورسوله ، فلعل الله يصلح ذات بينهم ويجمع لهم أمرهم ، فإنا اليوم متباغضون متباعدون ، ولكنا نواعدك الموسم من العام المقبل . فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا . «فلما أراد الله سبحانه وتعالى إظهار دينه وإعزاز رسوله وإنجاز موعده له ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم . فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا . فقال لهم : «من أنتم»؟ قالوا : نفر من الخزرج . قال : «أمن موالي يهود؟» قالوا : نعم . قال : «أفلا تجلسون أكلمكم؟» قالوا : بلى ، من أنت؟ فانتسب لهم وأخبرهم خبره . فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن . وكان مما صنع الله لهم به من الإسلام أن يهود ، كانوا معهم في بلادهم ،
وهم فيما ذكر في رواية ستة نفر من الخزرج : ابن إسحاق
1- من بني النجار : أبو أمامة أسعد بن زرارة- بضم الزاي- ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار .
2- عوف بن الحارث بن رفاعة- بكسر الراء وبالفاء- ابن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهو ابن عفراء .
3- ومن بني زريق- بتقديم الزاي على الراء- ابن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن [ ص: 195 ]
مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج : رافع بن مالك بن العجلان . قال وهو ابن الكلبي : أول من أسلم من الأنصار .
4- ومن بني سلمة- بلام مكسورة- [ابن سعد بن علي بن أسد] : قطبة- بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبالموحدة- ابن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب ابن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة .
5- ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : عقبة- بضم العين المهملة وسكون القاف- ابن عامر بن نابي- بنون فألف فباء موحدة فمثناة تحتية- ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة .
6- ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد وفي رواية جرير بن أبي حازم عن بدل ابن إسحاق عقبة بن عامر ، معاذ بن عفراء ، وعند عن موسى بن عقبة عن الزهري أنهم ثمانية . وهم : عروة معاذ بن عفراء ، وذكوان- بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف- ابن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق ، وعبادة- بضم العين المهملة فباء موحدة- ابن الصامت بن قيس بن الأصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن الخزرج بن حارثة ، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بني غصينة ثم من بلى حليف لهم . وأبو الهيثم بن التيهان بن جشم بن الحارث ، وعويم- بضم العين المهملة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية- ابن ساعدة من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة .
بيان ما سبق «العقبة الأولى» : قال المحب الطبري : «الظاهر أنها العقبة التي تضاف إليها الجمرة إذ ليس أظهر منها وعن يسار الطريق لقاصد منى من مكة شعب قريب منها ، فيه مسجد مشهور عند أهل مكة أنه مسجد البيعة ، وهو على نشز من الأرض ، ويجوز أن يكون المراد من العقبة ذلك النشز ، وعلى الأول يكون قد نسب إليها لقربه منها» قال في النور : «وجزم غيره بأن البيعة التي وقعت عندها البيعة هي العقبة التي تضاف إليها الجمرة» . [ ص: 196 ]
«موالي يهود» : أي حلفاؤهم ، وهم سموا حلفاء لأنهم تحالفوا على التناصر والتعاضد .
«الرهط» : بسكون الهاء وتفتح دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة أو منها إلى أربعين .
«يهود» : لا ينصرف للعلمية والتأنيث .
«أظل زمانه» : بفتح الظاء المعجمة وتشديد اللام أي قرب ودنا .
«قتل عاد وإرم» : أي نستأصلكم .
«تعلموا» : بفتح اللام المشددة ومعناه اعلموا . [ ص: 197 ]