تنبيه : قال سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام : "معنى مكة والمدينة أن ثواب العمل في إحداهما أكثر من ثواب العمل في الأخرى ، فيشكل قول القاضي : التفضيل بين
"أجمعت الأمة على أن موضع القبر الشريف أفضل" ، إذ لا يمكن لأحد أن يعبد الله فيه . وأجاب غيره بأن التفضيل في ذلك للمجاورة ، ولذا لا لكثرة الثواب ، وإلا فلا يكون جلد المصحف بل ولا المصحف أفضل من غيره لتعذر العمل فيه . وقال شيخ الإسلام حرم على المحدث مس جلد المصحف ، تقي الدين السبكي : قد يكون التفضيل بكثرة الثواب ، وقد يكون لأمر آخر ، وإن لم يكن عملا ، فإن القبر الشريف ينزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة ، وله عند الله من المحبة ولساكنه ما تقصر العقول عن إدراكه ، وليس ذلك لمكان غيره ، فكيف لا يكون أفضل الأماكن؟ وليس محل عمل لنا ، فهذا معنى غير تضعيف الأعمال فيه ، وأيضا فباعتبار ما قيل : أن كل أحد يدفن في الموضع الذي خلق منه ، [وأيضا فقد تكون الأعمال مضاعفة فيها ، باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم حي وأن أعماله مضاعفة] أكثر من كل أحد ، فلا يختص التضعيف بأعمالنا نحن .
قال السيد : " [وهذا من النفاسة بمكان على أني أقول] الرحمات والبركات النازلة بذلك المحل يعم فيضها الأمة ، وهي غير متناهية لدوام ترقياته صلى الله عليه وسلم [وما تناله الأمة بسبب نبيها هو الغاية في الفضل ، ولذا كانت خير أمة بسبب كون نبيها خير الأنبياء ، فكيف لا يكون القبر الشريف أفضل البقاع مع كونه] منبع فيض الخيرات ، [ألا ترى أن الكعبة على رأي من] منع الصلاة فيها ليست محل عملنا؟ أفيقول عاقل بتفضيل المسجد حولها عليها لأنه محل العمل ، مع أن الكعبة هي السبب في إنالة تلك الخيرات؟ وسيأتي أن المجيء المذكور في قوله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك [النساء 64] الآية ، حاصل بالمجيء إلى قبره الشريف ، وكذا زيارته صلى الله عليه وسلم ، وسؤال الشفاعة منه ، والتوسل به إلى الله ، والمجاورة عنده من أفضل القربات ، وعنده تجاب الدعوات أيضا ، فكيف لا تكون أفضل وهو السبب في هذه الخيرات؟ وأيضا فهو روضة من رياض الجنة ، بل أفضل رياضها ، وفي الحديث : [ ص: 318 ] "لقاب قوس أحدكم [في الجنة] خير من الدنيا وما فيها" .