الباب السادس : في قصة تحويل القبلة
روى ابن إسحاق وابن سعد ، وابن أبي شيبة ، والستة ، وعبد بن حميد ، في ناسخه ، وأبو داود وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والدارقطني ، عن والبيهقي البراء بن عازب ، وابن إسحاق وابن أبي شيبة ، وأبو داود والنحاس في ناسخهما ، وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم رضي الله عنهما ، ابن عباس في ناسخه عن وأبو داود أبي العالية مرسلا ، ويحيى بن الحسن العلوي في أخبار المدينة عن رضي الله عنه ، والإمام رافع بن خديج مالك ، والشيخان ، وعبد بن حميد في ناسخه ، وأبو داود والنسائي ، ويحيى بن الحسن ، عن عثمان بن محمد بن الأخنس ، وعبد بن حميد ، عن وابن المنذر قتادة ، عن والزبير بن بكار عثمان بن عبد الرحمن ، وابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش ، عن وابن جرير يزيد بعضهم على بعض : مجاهد ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو أول ما نسخ من القرآن القبلة ، بمكة نحو بيت المقدس ، والكعبة بين يديه" . وقال "أن كما عند ابن جريج ، ابن جرير :
. ولما هاجر إلى "صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول من صلى إلى الكعبة ، ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة ، فصلى ثلاث حجج ثم هاجر" المدينة وكان أكثر أهلها اليهود ، أمره الله سبحانه وتعالى أن يستقبل صخرة بيت المقدس ، فعرض اليهود بذلك ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس . وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، لأن اليهود قالوا : "خالفنا محمد ويتبع قبلتنا" .
وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل : "وددت أن الله عز وجل صرفني عن قبلة يهود إلى غيرها" ،
فقال جبريل عليه السلام : "إنما أنا عبد مثلك لا أملك لك شيئا إلا ما أمرت به ، فادع الله تعالى" .
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى ، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله تعالى ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا أم بشر بن البراء بن معرور ، في بني سلمة- بكسر اللام- فصنعت له طعاما ، وحانت صلاة الظهر ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مسجد هناك الظهر ، فلما صلى ركعتين نزل جبريل فأشار إليه أن صل إلى البيت ، وصلى جبريل إلى البيت ، فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة ، واستقبل الميزاب . فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء ، فهي القبلة التي قال الله تعالى : فلنولينك قبلة ترضاها [البقرة 144] فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين . وكان الظهر يومئذ أربعا : اثنتان إلى بيت المقدس واثنتان إلى الكعبة ، فخرج رضي الله عنه ، وكان صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمر على قوم من الأنصار ببني حارثة- بالحاء المهملة والثاء المثلثة- وهم راكعون في صلاة العصر ، فقال : عباد بن بشر . فاستداروا . [ ص: 371 ] "أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البيت"
قال رافع بن خديج : "وأتانا آت ونحن نصلي في بني عبد الأشهل فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يوجه إلى الكعبة ، فأدارنا إمامنا إلى الكعبة ودرنا معه" . قال ابن عمر :
"وبينما الناس بقباء في صلاة الصبح ، إذ جاءهم آت- قال ابن طاهر المقدسي : هو أيضا- فقال : عباد بن بشر . "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام ، فاستداروا إلى الكعبة"
وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك . وقال المنافقون : "خر محمد إلى أرضه" .
وقال المشركون : "أراد محمد أن يجعلنا قبلة له ووسيلة ، وعرف أن ديننا أهدى من دينه ، ويوشك أن يكون على ديننا" .
وقال اليهود للمؤمنين : ما صرفكم عن قبلة موسى ويعقوب وقبلة الأنبياء؟ والله إن أنتم إلا قوم تفتنون . وقال المؤمنون : لقد ذهب منا قوم ماتوا وما ندري أكنا نحن وهم على قبلة أو لا . وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس ، وكردم بن عمرو ، وكعب بن الأشرف ، ورافع بن أبي رافع ، والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف ، والربيع وكنانة ابنا الربيع بن أبي الحقيق- بلفظ تصغير حق- فقالوا : "يا محمد ، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك" . وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه ، فأنزل الله عز وجل : سيقول السفهاء من الناس - الجهال واليهود والمشركون والمنافقون ما ولاهم - أي صرفهم- عن قبلتهم - التي كانوا على استقبالها في الصلاة وهي بيت المقدس ، والإتيان بالسين الدالة على الاستقبال من الإخبار بالغيب- التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب - أي الجهات كلها ، فيأمر بالتوجه إلى أية جهة شاء لا اعتراض عليه- يهدي من يشاء - هدايته- إلى صراط مستقيم [البقرة 142] - دين الإسلام ، أي ومنهم أنتم ، دل على هذا وكذلك أي كما هديناكم إليه جعلناكم يا أمة محمد أمة وسطا خيارا عدولا لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم ويكون الرسول عليكم شهيدا أنه بلغكم وما جعلنا صيرنا القبلة التي كنت عليها أولا وهي جهة بيت المقدس ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إليها تألفا لليهود ، فصلى إليها ستة أو سبعة عشر شهرا ، ثم حول إلا لنعلم علم ظهور من يتبع الرسول فيصدقه ممن ينقلب على عقبيه أي يرجع إلى الكفر شكا في الدين وظنا أن النبي في حيرة من أمره ، وقد ارتد لذلك جماعة ، وإن مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، أي وإنها كانت التولية إليها- لكبيرة
شاقة على الناس [ ص: 372 ] إلا على الذين هدى الله منهم وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليها؛ لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل إن الله بالناس المؤمنين لرءوف رحيم [البقرة 143] في عدم إضاعة أعمالهم ، والرأفة : شدة الرحمة ، وقدم الأبلغ للفاصلة .
قد للتحقيق نرى تقلب وجهك في السماء أي تصرف وجهك في جهة السماء تطلعا إلى الوحي ، وتشوقا للأمر باستقبال الكعبة ، وكان يود ذلك لأنها قبلة إبراهيم ، ولأنه أدعى إلى إسلام العرب فلنولينك نحولنك قبلة ترضاها تحبها فول وجهك شطر المسجد الحرام استقبل في الصلاة ناحية المسجد الحرام ، أي الكعبة وحيث ما كنتم خطابا للأمة فولوا وجوهكم في الصلاة شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه أي التولي إلى الكعبة الحق الثابت من ربهم لما في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يتحول إليها وما الله بغافل عما يعملون [البقرة 144] [قرئت] بالتاء ، أي أيها المؤمنون من امتثال أمره ، وبالياء ، أي اليهود من إنكار القبلة .
ولئن لام قسم أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية على صدقك في أمر القبلة ما تبعوا أي لم يتبعوا قبلتك عنادا وما أنت بتابع قبلتهم قطع لطمعه في إسلامهم ، وطمعهم في عوده إليها وما بعضهم بتابع قبلة بعض أي اليهود قبلة النصارى وبالعكس ولئن اتبعت أهواءهم التي يدعونك إليها من بعد ما جاءك من العلم الوحي إنك إذا لمن الظالمين [البقرة 145] أي إن اتبعتهم فرضا .