تنبيهات 
الأول : روى  البخاري  في تاريخه  وابن جرير  من طريق  ابن إسحاق  عن  الكلبي  عن أبي صالح  عن  ابن عباس  عن  جابر بن عبد الله ،  فذكر الحديث السابق ، فبان سند  ابن إسحاق  بذلك . ورواه  يونس بن بكير  عن  ابن إسحاق  عن محمد بن أبي محمد ،  عن عكرمة ،  عن  أبي سعيد .  ورواه  ابن المنذر  من وجه آخر عن  ابن جرير  مفصلا . 
الثاني : قال السهيلي :   "وهذا القول من أخبار يهود ، وما تأولوه من معاني هذه الحروف محتمل حتى الآن أن يكون من بعض ما دلت عليه هذه الحروف المقطعة ،  فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذبهم ، فيما قالوا من ذلك ولا صدقهم . 
وقال في حديث آخر :  "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وبرسوله" 
. وإذا كان في حد الاحتمال وجب ، أي يفحص عنه في الشريعة ، هل يشير إلى كتاب أو سنة؟ فوجدنا في التنزيل وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون   [الحج 47] ووجدنا في حديث زمل الخزاعي  حين قص على رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا قال فيها :  "رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع درجات ، وإلى جنبك ناقة عجفاء كأنك تبعثها"  . ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم الناقة بقيام الساعة التي أنذر بها ، وقال في المنبر ودرجاته :  "الدنيا سبعة آلاف سنة ، بعثت في آخرها ألفا" والحديث وإن كان ضعيف الإسناد ، فقد روي موقوفا عن  ابن عباس  من طرق صحاح أنه قال :  "الدنيا سبعة أيام ، كل يوم منها ألف سنة" ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم منها ، وقد مضت [منه] سنون أو قال مئون : [قال السهيلي] : ولكن إذا قلنا : أنه عليه الصلاة والسلام بعث في الألف الأخيرة بعد ما مضت منه سنون ، ونظرنا بعد إلى الحروف المقطعة في أوائل السور وجدناها أربعة عشر حرفا يجمعها قولك : "ألم يسطع نص حق كره" ، ثم نأخذ العدد على حساب أبي جاد ، فنجد "ق" مائة و "ر" مائتين و "س" ثلاثمائة ، فهذه ستمائة ، و "ع" سبعين ، و "ص" ستين ، فهذه سبعمائة وثلاثون ، و "ن" خمسين و "ك" عشرين ، فهذه ثمانمائة و "م" أربعين و "ل" ثلاثين ، فهذه ثمانمائة وسبعون ، و "ي" عشرة و "ط" تسعة و "ا" واحدا ، فهذه ثمانمائة وتسعون ، و "ح" ثمانية و "هـ-" خمسة ، فهذه تسعمائة وثلاثة . ولم يسم الله عز وجل في أوائل السور إلا هذه  [ ص: 393 ] الحروف ، فليس يبعد أن يكون من بعض مقتضياتها وبعض فوائدها الإشارة إلى هذا العدد من السنين ، لما قدمناه في حديث الألف السابع الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . غير أن الحساب يحتمل أن يكون من مبعثه أو من وفاته أو من هجرته ، وكل قريب بعضه من بعض ، فقد جاءت أشراط الساعة ، ولكن لا تأتيكم إلا بغتة . 
وقد روي أن المتوكل العباسي  سأل جعفر بن عبد الواحد القاضي ،  وهو عباسي أيضا ، عما بقي من الدنيا ، فحدثه بحديث رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :  "إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة ، وإن أساءت فنصف يوم" ، 
ففي هذا الحديث تتميم للحديث المتقدم وبيان له ، إذ قد انقضت الخمسمائة والأمة باقية والحمد لله" . هذا آخر كلام السهيلي ،  وفيه مناقشات من "الزهر" و"الفتح" ، مع زيادتها من غيرها . 
الأولى : قوله : وجدنا في حديث زمل الخزاعي  إلخ صوابه : ابن زمل ،  وسماه بعضهم : 
عبد الله ،  وبعضهم : الضحاك ،  وبعضهم : عبد الرحمن ،  وصوب الحافظ في "الإصابة" الأول ، وقوله : الخزاعي  صوابه الجهني  كما ذكره في "الزهر" . 
الثانية : قوله : وإن كان إسناد هذا الحديث ضعيفا . إلخ ، اقتصر على ضعفه ، قال [ابن حجر] في "الفتح" : إسناده ضعيف جدا ، وقال في "الإصابة" : "تفرد برواية [حديثه] سليمان بن عطاء القرشي الحراني  عن مسلم بن عبد الله الجهني"   . انتهى . قلت : وسليمان بن عطاء .  قال الذهبي  في "المغني" : "هالك اتهم بالوضع" . وقال الحافظ في "التقريب" : "منكر الحديث" . 
وأورده  ابن الجوزي  في الأحاديث الواهية ، ووصف بعض رجاله بوضع الحديث . وقال  ابن الأثير :   "ألفاظه مصنوعة ملفقة" . 
وروى  ابن عدي  عن  أنس  مرفوعا :  "عمر الدنيا سبعة أيام من أيام الآخرة"  . وفي سنده  "العلاء بن زيدل"  وهو المتهم به . ورواه  ابن عساكر  من طريق أبي علي الحسين بن داود البلخي ،  قال  الخطيب :   "ليس بثقة ، حديثه موضوع" . وقال  الحاكم :   "روى عن جماعة لا يحتمل سنه السماع منهم ، وله عندهم العجائب يستدل بها على حاله" . وفي سنده أيضا أبو هاشم الأيلي .  ورواه  الحاكم ،  والترمذي الحكيم  في نوادره ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، وفي سنده صالح بن محمد ،  عن يعلى بن هلال ،  عن ليث بن مجاهد .  
الثالثة : قوله : "فقد روي موقوفا عن  ابن عباس  من طرق صحاح" ، قلت : لم أقف له إلا من طريق واحد غير صحيح ، رواه  ابن جرير  في مقدمة تاريخه ، ومنه أخذ السهيلي  من طريق يحيى بن يعقوب  وهو أبو طالب القاص الأنصاري ،  قال  البخاري :  منكر الحديث ، وقال أبو حاتم :  محله الصدق . وذكره  ابن حبان  في الثقات وقال : يخطئ .  [ ص: 394 ] 
الرابعة : ما ذكره في عدد الحروف مبني على طريقة المغاربة : السين بثلاثمائة ، والصاد بستين ، وعند المشارقة : السين ستون والصاد تسعون . فيكون المقدار عندهم ستمائة وثلاثة وتسعين ، وقد مضت وزيادة عليها ، فإنه في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة ، فالجملة على ذلك من هذه الحيثية باطلة . 
الخامسة : ثبت عن  ابن عباس  الزجر عن عدد أبي جاد ،  والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر . قال الحافظ : "وليس ببعيد ، فإنه لا أصل له في الشريعة" . 
السادسة : قال القاضي  أبو بكر بن العربي  شيخ السهيلي  في 
قوله صلى الله عليه وسلم :  "بعثت أنا والساعة كهاتين"  ، 
وأشار بالسبابة والوسطى . قيل : الوسطى تزيد على السبابة بنصف سبع إصبع ، وكذلك الباقي من البعثة إلى قيام الساعة" . قال "وهذا بعيد ، ولا يعلم مقدار الدنيا ، فكيف يتحصل لنا نصف سبع أمد مجهول؟ فالصواب الإعراض عن ذلك" . وقال القاضي في "الإكمال" : "حاول بعضهم في تأويله أن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا إلى ما مضى ، وأن جملتها سبعة آلاف سنة ، واستند إلى أخبار لا تصح ، وذكر ما أخرجه  أبو داود  في تأخر هذه الأمة نصف يوم ، وفسره بخمسمائة سنة ، فيؤخذ من ذلك نصف سبع ، وهو قريب مما يلي السبابة والوسطى في الطول" . قال : "وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ، ولو كان ذلك ثابتا لم يقع خلافه" . انتهى . 
وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد القاضي إلى هذا الحين نحو الأربعمائة سنة . وقال  ابن العربي  أيضا في فوائد رحلته : "ومن الباطل علم الحروف المقطعة في أوائل السور ، وقد تحصل لي فيها عشرون قولا وأزيد ، ولا أعرف أحدا يحكم عليها بعلم ، ولا يصل فيها إلى فهم" إلى آخر ما ذكره . وقد ذكرته مع فوائد أخرى في الكلام على هذه الحروف في كتابي : "القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز" . لا توجد مجموعة في غيره . 
السابعة : قال الحافظ : "وأما عدد الحروف ، فإنما جاء عن بعض اليهود ، وعلى تقدير أن يكون ما ذكر في عدد الحروف ، فليحمل على جميع الحروف الواردة ولا يحذف المكرر ، فإنه ما من حرف إلا وله سر يخصه ، أو يقتصر على حذف المكرر من أسماء السور ولو تكررت الحروف فيها ، فإن السور التي ابتدئت بذلك تسع وعشرون سورة ، وعدد حروف الجميع ثمانية وستون حرفا وهي : الم : ستة ، وحم : سبعة ، والر : خمسة ، وطسم : اثنتان والمص وكهيعص وطه وطس ويس وص وق ون . فإذا حذف ما كرر من السور وهي خمس من الم وست من حم ، وأربع من الر وواحدة من طسم ، بقي أربع عشرة سورة عدد حروفها ثمانية وثلاثون حرفا .  [ ص: 395 ] 
فإذا حسبت عددها بالجمل المغربي بلغت ألفين وستمائة وأربعة وعشرين ، وأما بالجمل المشرقي فتبلغ ألفا وسبعمائة وأربعة وخمسين . قال الحافظ : "ولم أذكر ليعتمد عليه ، وإنما ليتبين أن الذي جنح إليه السهيلي  لا ينبغي الاعتماد عليه لشدة التخالف فيه" . 
الثامنة : في جامع  معمر  عن  مجاهد  وعكرمة  في قوله تعالى : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة   [المعارج 4] لا يدري كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل . 
التاسعة : ما نقله عن جعفر بن عبد الواحد ،  فهو شيء موضوع لا أصل له ، ولا يعرف إلا من جهته ، وهو مشهور بوضع الحديث عند الأئمة ، مع أنه لم يسبق له سند بذلك ، والعجب من السهيلي  كيف سكت عليه مع علمه بحاله .  [ ص: 396 ] 
				
						
						
