الأول : ذكر في شيء آخر : وهو قول سبب نزول هذه الآية عبد الله بن أبي في غزوة المريسيع : "والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك . والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" . فسعى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأرسل خلف ابن أبي فحلف بالله ما قاله ، فأنزل الله تعالى الآية . زيد بن أرقم رواه ابن جرير ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم وسيأتي بيان ذلك في غزوة المريسيع إن شاء الله تعالى . قتادة .
الثاني : روى محمد بن عمر عن عبد الحميد بن جعفر ، أن الجلاس تاب وحسنت توبته ، ولم ينزع عن خير كان يصنعه إلى عمير ، وكان ذلك مما عرفت به توبته .
ومن المنافقين : نبتل- بنون مفتوحة فموحدة ساكنة ففوقية مفتوحة فلام- ابن الحارث ، وكان رجلا جسيما ، أدلم ، ثائر شعر الرأس أحمر العينين ، أسفع الخدين ، وهو الذي
قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث" .
وروى عن بعض بني العجلان أنه حدث أن ابن إسحاق جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : "إنه يجلس إليك رجل أدلم ، ثائر شعر الرأس ، أسفع الخدين ، أحمر العينين كأنهما قدران من صفر ، كبده أغلظ من كبد الحمار ، ينقل حديثك إلى المنافقين فاحذره" . وكانت تلك صفة نبتل بن الحارث ، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلس إليه فيسمع منه ، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين . وهو الذي قال لهم : "إنما محمد أذن ، من حدثه بشيء صدقه" . فأنزل الله تعالى :
ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم [ ص: 418 ] [التوبة 61] .
تنبيه : في بيان غريب ما سبق :
"الأدلم" بدال مهملة : الأسود الطويل .
"ثائر شعر الرأس" : منتشر الشعر .
"أسفع الخدين" : السفعة- بالضم : سواد مشرب بحمرة أو زرقة .
"الصفر" بضم الصاد المهملة وبالفاء : النحاس .
ومنهم : مربع- بميم مكسورة فراء ساكنة فموحدة مفتوحة فعين مهملة- ابن قيظي بقاف فتحتية فظاء معجمة مشالة- وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عامد إلى أحد : "لا أحل لك يا محمد إن كنت نبيا أن تمر في حائطي" .
وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال : "والله لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به" . فابتدره القوم ليقتلوه ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر" .
ومنهم عبد الله بن أبي بن سلول ، وسلول هي أم أبي ، وهو أبي بن مالك العوفي ، أحد بني الحبلى . وكان رأس المنافقين وإليه يجتمعون ، وهو الذي قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل في غزوة بني المصطلق . وفي قوله ذلك وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نزلت سورة المنافقين بأسرها . وعبد الله بن أبي سيد أهلها ، لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان ، لم يجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين غيره ، حتى جاء الإسلام . وكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم ، فجاءهم الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك ، فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن ، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا . فلما أن رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام ، دخل فيه كارها مصرا على نفاق وضغن .
وروى والإمام ابن إسحاق ، والشيخان عن أحمد ، رضي الله عنهما . قال : أسامة بن زيد
وأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه يعود في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر ، [ ص: 419 ] فمر بعبد الله بن أبي وذلك قبل أن يسلم ، وهو في ظل أطم وفي مجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود ، في مجلس سعد بن عبادة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن رواحة . عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال : لا تغبروا علينا . فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف ، فنزل فدعاهم إلى الله ، فقرأ عليهم القرآن وحذر وبشر وأنذر ، فقال له عبد الله بن أبي : "يا أيها المرء ، إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقا ، فلا تؤذونا به في مجلسنا ، وارجع إلى رحلك ، فمن جاءك فاقصص عليه" . قال : فقال "بلى يا رسول الله ، فاغشنا به في مجالسنا ، فهو والله مما نحب" . فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون . ابن رواحة :
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا . فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل إلى فقال له : "أي سعد بن عبادة ، سعد ، ألم تسمع ما قال أبو حباب" ؟ يريد عبد الله بن أبي . فقال سعد : "يا رسول الله اعف عنه واصفح ، فلقد أعطاك الله ما أعطاك ، ولقد اجتمع أهل البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه ، فلما رد ذلك بالحق الذي أعطاك شرق ، فذلك الذي فعل به ما رأيت" . ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا عليه إكاف فوقه قطيفة فدكية مختطمة بحبل من ليف . قال :
وعن رضي الله عنه قال : أنس عبد الله بن أبي؟ فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فركب حمارا ، وانطلق المسلمون يمشون ، وهي أرض سبخة . فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إليك عني ، فوالله لقد أذاني نتن حمارك . فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك .
فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه ، وغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهم ضرب بالجريد- وفي لفظ بالحديد- والأيدي والنعال ، فبلغنا أنه أنزل فيهم : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما [الحجرات 9] . رواه الشيخان . قلت : يا نبي الله لو أتيت
قال وقال ابن إسحاق : عبد الله بن أبي حين رأى من خلاف قومه ما رأى :
متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل تذل ويصرعك الذين تصارع وهل ينهض البازي بغير جناحه
وإن جذ يوما ريشه فهو واقع
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو عامر قبل أن يخرج إلى مكة فقال : يا محمد ، ما [ ص: 420 ] هذا الدين الذي جئت به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "جئت بالحنيفية دين إبراهيم" . قال : فإني عليها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لست عليها [لأنك أدخلت فيها ما ليس منها] . قال : بل أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها . قال : "ما فعلت ، بل جئت بها بيضاء نقية" . فقال أبو عامر : أمات الله الكاذب [منا] طريدا وحيدا . وإنما قال ذلك يعرض برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خرج من مكة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نعم ، أمات الله الكاذب منا كذلك" .
فكان ذلك هو عدو الله فخرج إلى مكة . فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، خرج إلى الطائف ، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام ، فمات بها طريدا غريبا وحيدا .