قال وغيره : ولما فرغوا من جهازهم ، وأجمعوا المسير ، وخرجوا على الصعب والذلول ، معهم القيان والدفوف ، ذكروا ما كان بينهم وبين ابن إسحاق بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الدماء ، فقالوا : إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا ، وكان ذلك يثنيهم فتبدى لهم عدو الله إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني ، وكان من أشراف بني كنانة فقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه . فخرجوا سراعا في خمسين وتسعمائة مقاتل ، وقيل : في ألف ، ولم يتخلف عنهم من أشرافهم أحد سوى أبي لهب ، وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب ، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي ، فلم يخرج معهم منهم أحد ، خرجوا من ديارهم كما قال الله تبارك وتعالى : بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله [الأنفال : 47] .
قال ابن عقبة وابن عائذ : وأقبل المشركون ، ومعهم إبليس يعدهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم ، وأنه لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم [الأنفال : 48] فلم يزل حتى أوردهم ، ثم سلمهم ، وفي ذلك يقول رضي الله عنه من أبيات : حسان بن ثابت
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا دلاهم بغرور ثم أسلمهم
إن الخبيث لمن والاه غرار وقال : إني لكم جار فأوردهم
شر الموارد فيه الخزي والعار ثم التقينا فولوا عن سراتهم
من منجدين ومنهم فرقة غاروا
قال في الإمتاع : فلما نزلوا بمر الظهران نحر أبو جهل جزورا فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها ، ورأى ضمضم بن عمرو أن وادي مكة يسيل دما من أسفله وأعلاه ، وكان مع المشركين مائتا فرس يقودونها وست مائة درع ، ومعهم القيان يضربن بالدفوف ، ونحر لهم أول يوم خرجوا من مكة أبو جهل عشر جزائر ، ثم نحر لهم أمية بن خلف بعسفان تسعا ، ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشرا -وأسلم بعد ذلك- ومالوا من قديد إلى مياه نحو البحر ، فظلوا فيها وأقاموا بها ، فنحر لهم يومئذ عتبة بن ربيعة عشرا ، ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم منبه ونبيه ابنا الحجاج عشرا ، ثم أكلوا من أزوادهم فلما وصلوا إلى الجحفة عشاء نزلوا هناك . [ ص: 23 ]