تنبيه: روى من طريق مسلم ، عن حماد بن سلمة ثابت ، عن رضي الله تعالى عنه أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: "في النار". فلما قفى دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار".
قال الشيخ رحمه الله تعالى في مسالك الحنفا في والدي المصطفى: قوله: "إن أبي وأباك في النار" لم يتفق عليه الرواة، وإنما ذكره ، عن حماد بن سلمة ثابت . وقد خالفه عن معمر ثابت ، فلم يذكر: إن أبي وأباك في النار. ولكن قال له: إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار. [ ص: 248 ] وهذه اللفظة لا دلالة فيها على والده صلى الله عليه وسلم بأمر البتة. وهو أثبت من حيث الرواية. فإن معمرا أثبت من حماد. فإن حمادا تكلم في حفظه، ووقع له أحاديث مناكير ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه. وكان حماد لا يحفظ فحدث بها فوهم. ومن ثم لم يخرج له شيئا، ولا أخرج له البخاري في الأصول إلا من روايته عن مسلم ثابت .
وقد قال في المدخل: ما خرج الحاكم مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت وقد أخرج له في الشواهد عن طائفة، وأما فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت. معمر
ثم وجدنا الحديث ورد من حديث بمثل رواية سعد بن أبي وقاص ، عن معمر ثابت ، عن . أنس
فروى البزار والطبراني من طريق والبيهقي إبراهيم بن سعد، عن ، عن الزهري عامر ابن سعد، عن أبيه، أن أعرابيا، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أبي؟ قال: في النار. قال: فأين أبوك؟ قال: "حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار".
وهذا الإسناد على شرط الشيخين. فتعين الاعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره.
وقد زاد الطبراني في آخره قال: والبيهقي فأسلم الأعرابي بعد وقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا! ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار.
وقد روى عن طريق ابن ماجه إبراهيم بن سعد، عن عن الزهري سالم ، عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي كان يصل الرحم وكان. فأين هو؟ قال: "في النار". قال: فكأنه وجد من ذلك فقال: يا رسول الله، فأين أبوك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار". قال: فأسلم الأعرابي بعد وقال لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا! ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: فهذه الزيادة أوضحت بلا شك أن هذا اللفظ العام هو الذي صدر منه صلى الله عليه وسلم ورآه الأعرابي بعد إسلامه أمرا مقتضيا للامتثال، فلم يسعه إلا امتثاله، ولو كان الجواب باللفظ الأول لم يكن فيه أمر بشيء البتة. فعلم أن اللفظ الأول من تصرف الراوي، رواه بالمعنى على حسب فهمه.
وقد وقع في الصحيحين روايات كثيرة من هذا النمط فيها لفظ تصرف فيه الراوي، وغيره أثبت منه. كحديث في نفي قراءة البسملة. وقد أعله الإمام أنس رضي الله تعالى عنه بذلك وقال: إن الثابت من طريق آخر نفي سماعها، ففهم منه الراوي نفي قراءتها فرواه بالمعنى على ما فهمه، فأخطأ. [ ص: 249 ] قال الشيخ رحمه الله تعالى: ونحن أجبنا عن حديث الشافعي في هذا المقام بنظير ما أجاب به إمامنا مسلم عن حديث الشافعي في نفي قراءة البسملة. مسلم
ثم رأيت طريقا أخرى للحديث مثل لفظ رواية وأزيد وضوحا. وذلك أنه قد صرح فيه بأن السائل أراد أن يسأل عن أبيه صلى الله عليه وسلم، فعدل عن ذلك تجملا وتأدبا. معمر
فروى في المستدرك وصححه الحاكم لقيط بن عامر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله هل أحد ممن مضى منا في جاهليته في خير؟ فقال رجل من عرض قريش: إن أباك المنتفق في النار. فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله؟ ثم نظرت فإذا الأخرى أجمل، فقلت: وأهلك يا رسول الله؟ فقال: "ما أتيت عليه من قبر قرشي ولا عامري مشرك فقل: أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوؤك". عن
هذه الرواية لا إشكال فيها، وهي أوضح الروايات وأبينها.
ثم لو فرض اتفاق الرواة على اللفظ الأول كان معارضا بالأدلة الآتية في المسلك الأول والحديث إذا عارضه أدلة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلة عليه كما هو مقرر في الأصول.
تتمة: ثبت في الحديث الصحيح أبو طالب، وأنه في ضحضاح من النار في رجليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، وهذا مما يدل على أن أن أهون أهل النار عذابا لأنهما لو كانا فيها لكانا أهون عذابا من أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ليسا في النار. أبي طالب، لأنهما أقرب منه مكانا، وأبسط عذرا، فإنهما لم يدركا البعثة ولا عرض عليهما الإسلام فامتنعا. بخلاف أبي طالب، وقد أخبر الصادق المصدوق أنه أهون أهل النار عذابا. فليس أبواه من أهلها. وهذا يسمى عند أهل الأصول دلالة الإشارة.