ذكر طلب المسلمين قتلاهم
روى عن البيهقي قال : عروة فلم يجدوا قتيلا إلا وقد مثل به المشركون ، إلا لما رحل المشركون انتشر المسلمون يطلبون قتلاهم حنظلة بن أبي عامر فإن أباه كان معهم فتركوه له .
وقال ابن إسحاق ومحمد بن عمر : لما انصرف المشركون أقبل المسلمون على موتاهم يطلبونهم . وروى الحاكم ، عن والبيهقي رضي الله عنه زيد بن ثابت عن شيوخه : وابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من ينظر لي ما فعل ، أفي الأحياء هو أم في الأموات ، فإني رأيت اثني عشر رمحا شرعى إليه ، فقال رجل من الأنصار - قال سعد بن الربيع محمد بن عمر : هو محمد بن مسلمة ، وقال : هو أبو عمر - فنظر في القتلى ، فناداه ثلاثا فلم يجبه ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إلى خبرك ، فأجابه بصوت ضعيف أبي بن كعب . وفي [ ص: 222 ] حديث زيد : فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم أحد ، لطلب ، وقال : إن رأيته فأقره مني السلام ، وقل له : كيف تجدك ؟ قال : فأصبته وهو في آخر رمق ، وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح ، وضربة بسيف ، ورمية بسهم ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ فقال : أنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام ، وقل له : إن سعد بن الربيع يقول : جزاك الله تعالى عنا خير ما جزى نبيا عن أمته ، وقل له : إني أجد ريح الجنة ، وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم : سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف سعد بن الربيع ، ثم لم يبرح أن مات ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبره إن .
قال ابن هشام : وحدثني أبو بكر الزبيري : أن رجلا دخل على ، وبنت أبي بكر الصديق لسعد بن الربيع : جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبلها ، فقال له الرجل : من هذه ؟ قال له : بنت رجل خير مني : ، كان من النقباء يوم العقبة سعد بن الربيع . وشهد بدرا ، واستشهد يوم أحد .
قال : ابن إسحاق وسلم - فيما بلغني - يلتمس . قال حمزة بن عبد المطلب محمد بن عمر وغيره : وجعل يقول : «ما فعل عمي ؟ » ويكرر ذلك . فخرج الحارث بن الصمة يلتمسه فأبطأ ، فخرج علي فوجد حمزة ببطن الوادي مقتولا ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج يمشي حتى وقف عليه ، فوجده قد بقر بطنه عن كبده ، ومثل به ، فجدع أنفه وأذناه ، فنظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه ، ونظره قد مثل به . وخرج رسول الله صلى الله عليه
وفي حديث عن كعب بن مالك في سنده ابن أبي شيبة . انتهى . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له : إن حمزة مثل به ، كره أن ينظر إليه
فقال : «أحتسبك عند الله ! »
وروى بسند لا بأس به ، عن البزار رضي الله تعالى عنهما قال : جابر بن عبد الله . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتل حمزة بكى ، فلما نظر إليه شهق
وروى عن الحاكم رضي الله تعالى عنهما قال : جابر بن عبد الله فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فاء الناس من القتال ، فقال رجل : رأيته عند تلك الصخرات وهو يقول : أنا أسد الله وأسد رسوله ، اللهم أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني أبا سفيان وأصحابه - وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه ، فلما رأى جثته بكى . ولما رأى ما مثل به [ ص: 223 ] شهق ثم قال : «ألا كفن ؟ » فقام رجل من الأنصار فرمى بثوبه عليه ، ثم قام آخر فرمى بثوبه عليه ، فقال : «يا جابر هذا الثوب لأبيك وهذا لعمي » ، وقال صلى الله عليه وسلم : «رحمة الله عليك ، فإنك كنت كما علمتك ، فعولا للخيرات ، وصولا للرحم ، لولا أن تحزن صفية - وفي لفظ : نساؤنا ، وفي لفظ : لولا حزن من بعدي عليك ، وتكون سبة من بعدي - لتركته ، حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير » ، ثم قال : «أبشروا ، جاءني حمزة جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات السبع : أسد الله وأسد رسوله » . وقال : «لئن ظفرني الله تعالى على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بسبعين منهم مكانك » ، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغيظه على من فعل بعمه ما فعل ، قالوا : والله لئن ظفرنا الله تعالى بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب حمزة بن عبد المطلب ، قال ، كما رواه أبو هريرة ابن سعد والبزار وابن المنذر : والبيهقي جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين [النحل 126 ] فكفر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه ، وأمسك عن الذي أراد وصبر . فنزل
وروى ابن المنذر والطبراني نحوه عن والبيهقي . ابن عباس
وروى وحسنه ، الترمذي في زوائد المسند ، وعبد الله بن الإمام أحمد ، والنسائي ، وابن المنذر في فرائده ، وابن خزيمة والضياء في صحيحهما عن وابن حبان رضي الله عنه قال : أبي بن كعب أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا . ومن المهاجرين ستة ، منهم ، فمثلوا به ، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم ، فلما كان فتح مكة أنزل الله تعالى : حمزة وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نصبر ولا نعاقب ، كفوا عن القوم إلا أربعة » . لما كان يوم
وروى ابن إسحاق عن وابن جرير قال : نزلت سورة النحل كلها عطاء بن يسار بمكة إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد ، حيث قتل ومثل به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حمزة «لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ، فأنزل الله تعالى : وإن عاقبتم إلى آخر السورة .
[ ص: 224 ] وروى عن ابن إسحاق رضي الله عنه قال : سمرة بن جندب أمر بالصدقة ونهى عن المثلة . ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه ، حتى
قال وغيره : ابن إسحاق وأقبلت رضي الله عنها لتنظر إلى صفية بنت عبد المطلب ، وكان أخاها لأمها وأبيها ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن تراه ، فقال : «المرأة المرأة » . فقال حمزة : فتوسمت أنها أمي الزبير بن العوام صفية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها » ، فخرج يسعى فأدركها قبل أن تنتهي إلى القتلى ، فردها فلكمت صدره ، وكانت امرأة جلدة ، وقالت : إليك عني ، لا أرضى لك . فقال : يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي . قالت : ولم وقد بلغني أنه قد مثل بأخي ؟ وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، فلأصبرن وأحتسبن إن شاء الله . فجاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : «خل سبيلها » ، فأتته فنظرت إليه ، فصلت عليه ، واسترجعت ، واستغفرت له .
وروى الطبراني ، عن والبزار : ابن عباس ، فوضع يده على صدرها فاسترجعت صفية بنت عبد المطلب ، وبكت خاف على عقل . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن والبزار الزبير بسند رجاله ثقات ، عن والطبراني : أن ابن عباس صفية رضي الله عنها أتت بثوبين معها فقالت : هذان ثوبان جئت بهما لأخي ، فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما . قال : فجئنا بالثوبين لنلفه فيهما فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار ، فعل به مثل ما فعل بحمزة ، فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين ، والأنصاري لا كفن له ، فقلنا : لحمزة ثوب ، وللأنصاري ثوب ، فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفنا كلا منهما في الثوب الذي طاوله ، وجعل حمزة أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه يريد أن ينال من قريش ، لما رأى من حمزة ما مثل به ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليه أن اجلس وكان قائما ، ثم قال : غم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل . «يا أبا قتادة . إن قريشا أهل أمانة ، من بغاهم العواثر أكبه الله تعالى لفيه ، وعسى إن طالت بك حياة أن تحقر عملك مع أعمالهم ، وفعالك مع فعالهم ، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى » . فقال أبو قتادة : يا رسول الله ، ما غضبت إلا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، حين نالوا من حمزة ما نالوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صدقت ، بئس القوم كانوا لنبيهم »
وروى عن الحاكم رضي الله عنهما قال : قتل ابن عباس جنبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «غسلته الملائكة » ، وعند حمزة ابن سعد عن الحسن مرسلا : » رأيت الملائكة تغسل حمزة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لقد
[ ص: 225 ] وروى في سنده ابن أبي شيبة برجال ثقات ، عن والطبراني أبي أسيد الساعدي وابن أبي شيبة عن والحاكم قالا : أنس في نمرة حمزة ، فمدت النمرة على رأسه وانكشف رجلاه ، فمدت على رجليه فانكشف رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مدوها على رأسه واجعلوا على رجليه شيئا من الحرمل ، وفي لفظ : من الإذخر » كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم .