[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم
[تتمة جماع أبواب المغازي التي غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة]
الباب العشرون في بني قريظة غزوة
تقدم في الخندق أنهم ظاهروا غزوة قريشا وأعانوهم على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونقضوا العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما أجدى ذلك عنهم شيئا وباءوا بغضب من الله ورسوله ، والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة . قال الله سبحانه وتعالى : ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم - أي أعانوهم - من أهل الكتاب من صياصيهم - أي حصونهم - وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا .
وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا [الأحزاب 25 : 27] .
قال محمد بن عمر عن شيوخه : لما تفرق المشركون عن الخندق خافت بنو قريظة خوفا شديدا ، وقالوا : محمد يزحف إلينا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بقتالهم حتى جاءه جبريل يأمره به .
روى الإمام والشيخان - مختصرا - أحمد والبيهقي في صحيحه مطولا عن والحاكم ، عائشة ، وأبو نعيم من وجه آخر عنها ، والبيهقي وابن عائذ عن جابر بن عبد الله ، وابن سعد عن ، حميد بن هلال عن وابن جرير عبد الله بن أبي أوفى والبيهقي وابن سعد عن ، الماجشون عن والبيهقي عبيد الله بن كعب بن مالك ، وسعيد بن جبير وابن سعد عن ، يزيد بن الأصم ومحمد بن عمر عن شيوخه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع عن الخندق ، والمسلمون وقد عضهم الحصار ، فرجعوا مجهودين ، فوضعوا السلاح ، ووضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل بيت ودعا بماء فأخذ يغسل رأسه - قال عائشة ابن عقبة قد رجل أحد شقيه . قال محمد بن عمر :
غسل رأسه واغتسل ، ودعا بالمجمرة ليتبخر ، وقد صلى الظهر ، قالت فسلم علينا رجل ونحن في البيت . قال عائشة : محمد بن عمر : وقف موضع الجنائز ، فنادى عذيرك من محارب! فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعا فوثب وثبة شديدة ، فخرج إليه ، وقمت في أثره أنظر من خلل الباب ، فإذا هو فيما كنت أرى - وهو ينفض الغبار عن وجهه ، وهو معتم ، وقال دحية الكلبي : معتجر بعمامة ، قال ابن إسحاق - كما رواه الماجشون عنها ، سوداء من إستبرق ، مرخ من عمامته بين كتفيه ، على بغلة شهباء - وفي لفظ : فرس - عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج - قال أبو نعيم أحمر - على ثناياه أثر الغبار ، الماجشون :
وفي رواية :
فاتكأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عرف الدابة ، فقال : يا رسول الله ، ما أسرعتم ما حللتم ، عذيرك من محارب! عفا الله عنك ، وفي لفظ : قد عصب رأسه الغبار ، عليه لأمته . [ ص: 4 ] وفي لفظ : غفر الله لك ، أو قد وضعتم السلاح قبل أن نضعه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «نعم قال : فو الله ما وضعناه ، حمراء الأسد - يعني الأحزاب - وقد هزمهم الله تعالى ، وإن الله - تعالى - يأمرك بقتال بني قريظة ، وأنا عامد إليهم بمن معي من الملائكة لأزلزل بهم الحصون ، فاخرج بالناس» . «ما وضعت الملائكة السلاح منذ نزل بك العدو . وما رجعنا الآن إلا من طلب القوم حتى بلغنا
قال حميد بن هلال :
قال جبريل : انهض إليهم ، فو الله لأدقنهم كدق البيض على الصفا لأضعضعنها ، فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار . قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فإن في أصحابي جهدا فلو أنظرتهم أياما - رضي الله عنه - فيما رواه أنس : البخاري بني غنم - موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة . . انتهى . كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق
فرجعت ، فلما دخل قلت يا رسول الله - من ذاك الرجل الذي كنت تكلمه ؟ قال : «ورأيته» ؟ قلت نعم ، قال ، «لمن تشبهت» ؟ قلت : عائشة : بدحية بن خليفة الكلبي ، قال :
«ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة » . قالت
قال فيما رواه قتادة ابن عائذ : فأذن في الناس : «من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا بلالا ببني قريظة » . إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم بعث يومئذ مناديا ينادي «يا خيل الله اركبي» وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وروى الشيخان عن ابن عمر عن والبيهقي ، عائشة عن والبيهقي وعن الزهري ابن عقبة ، عن والطبراني كعب بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه : «عزمت عليكم ألا تصلوا صلاة العصر» .
ووقع في في حديث مسلم صلاة الظهر ابن عمر بني قريظة ، إنا لفي عزيمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما علينا من إثم ، فصلوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس . وقال بعضهم : بل نصلي ، لم يرد منا أن ندع الصلاة ، فصلوا ، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدا من الفريقين ، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدرك بعضهم صلاة العصر ، وفي لفظ الظهر في الطريق ، فقال بعضهم : لا نصليها حتى نأتي فدفع إليه لواءه ، وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من علي بن أبي طالب الخندق ، فابتدره الناس . [ ص: 5 ]