ومن الحوادث في زمان يعقوب  
ما جرى ليوسف  عليهما السلام  
فإن أمه راحيل  لما ولدته دفعه يعقوب  إلى أخته تحضنه . 
قال  مجاهد:  أول ما دخل على يوسف  من البلاء فيما بلغنا أن عمته ابنة إسحاق ،  وكانت أكبر ولد إسحاق ،  وكانت إليها منطقة إسحاق  وكانوا يتوارثونها بالكبر ، وكان من أختانها ممن وليها ، كان له سلما لا ينازع فيه ، يصنع فيه ما شاء ، فلما حضنت يوسف  أحبته حبا شديدا حتى إذا ترعرع طلبه يعقوب ،  فقالت: ما أصبر عنه ، فقال: وكذلك أنا . قالت: فدعه عندي أياما ، فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق ،  فشدتها على يوسف  من تحت ثيابه ، ثم قالت: قد فقدت منطقة إسحاق  فانظروا من أخذها ، فوجدت مع يوسف ،  فقالت: إنه يسلم لي أصنع به ما شئت ، فقال يعقوب:  أنت وذاك ، فأمسكته فلم يقدر عليه يعقوب  حتى ماتت ، وبذلك عيره إخوته في قولهم: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل   [12: 77] . 
قال علماء السير: لما رأى إخوة يوسف  شدة محبة يعقوب  له ، وعلموا المنام  [ ص: 311 ] الذي رآه ، وأن الشمس والقمر والنجوم سجدوا له دخلهم الحسد ، فاحتالوا عليه بقولهم: أرسله معنا غدا يرتع ويلعب   [12: 12] فلما خرجوا به إلى البرية أظهروا له العداوة ، وجعل هذا يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل يصيح: يا أبتاه ، يا يعقوب  لو تعلم ما يصنع بابنك ، فألقوه في الجب ، فجعلوا يدلونه فيتعلق بشفير البئر ، فربطوا يديه ونزعوا قميصه ، فقال: يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في الجب ، فقالوا: ادع الشمس والقمر والكواكب [تؤنسك] . فألقوه في الماء ، فآوى إلى الصخرة في الجب ، ثم أرادوا أن يرضخوه بصخرة ، فمنعهم يهوذا ، وقال: قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ، وكان يهوذا  يأتيه بالطعام ، فأوحى الله تعالى لينبئنهم بأمرهم هذا ، ثم جاءوا أباهم عشاء يبكون ، فقال: أين يوسف؟  قالوا: أكله الذئب ، وكانوا قد ذبحوا جديا فلطخوا بدمه القميص ، فجاءت سيارة بعد ثلاثة أيام ، فورد واردهم فتعلق به فصعد ، فقال: يا بشرى هذا غلام   [12: 19] . فقال إخوته: هذا غلام آبق منا . واشتروه منهم بعشرين درهما ، ثم باعوه بمصر ،  فاشتراه قطفير ،  وكان على خزائن مصر ،  وفرعون مصر  يومئذ الريان بن الوليد  من أولاد سام بن نوح .  ويقال: إن هذا الملك لم يمت حتى آمن بيوسف ،  ثم مات ويوسف  حي ، ثم ملك بعده قابوس بن مصعب ،  فدعاه يوسف  إلى الإسلام فأبى . 
فلما اشتراه قطفير  أتى به منزله ، فقال لامرأته واسمها راعيل:  أكرمي مثواه ، وكان لا يأتي النساء ، فراودته عن نفسه ، وقالت: هيت لك   [12: 23] ، أي: تهيأت لك ، قال: معاذ الله   [12: 23] . 
فأما قوله: وهم بها   [12: 24] ، فإنه حديث الطبع وتمنيه نيل الشهوة لو كانت مباحة فإن الإنسان إذا صام اشتهى شرب الماء ، غير أن الصوم مانع ، فرأى البرهان وهو علمه  [ ص: 312 ] بأن الله تعالى حرم الزنا ، ولا يلتفت إلى ما يروى في التواريخ والتفاسير من أنه رأى يعقوب  عاضا على يده فإن مرتبة يوسف  كانت أعلى من هذا . وقد شرحنا هذا في التفسير . 
والشاهد الذي [شهد] كان طفلا صغيرا تكلم هكذا قال علماء السير فلما رأى   [12: 28] زوج المرأة قميصه قد من دبر   [12: 27] ، قال لزوجته: إنه من كيدكن   [12: 28] ، ثم قال ليوسف: أعرض عن هذا   [12: 29] ، أي: لا تذكره لأحد واستغفري لذنبك   [12: 29] فشاع الحديث ، وجعل النسوة يقلن: امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه   [12: 30] ، فلما سمعت بذلك أعدت لهن طعاما وما يتكئن عليه من الوسائد ، وآتت كل واحدة منهن سكينا   [12: 31] لقطع الأترج ، ثم قالت ليوسف:  اخرج ، فخرج عليهن فقطعن أيديهن بالسكاكين ، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج ، فقالت لهن: فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن   [12: 32] فاستغاث يوسف  بربه عز وجل ، وقال: رب السجن أحب إلي   [12: 33] قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني بين الناس يعتذر إلى الناس ، ولا يطيق أن أعتذر ، فإما أن تأذن لي فأعتذر ، وإما إن تحبسه فحبسه ، فأدخل معه السجن فتيان من فتيان الملك ،  وكان أحدهما صاحب طعامه فبلغه أنه يريد أن يسمه فحبسه وحبس صاحب شرابه؛ ظنا أنه مالأه على ذلك ، وكان يوسف  قد قال في السجن: إني أعبر الرؤيا ، فسألاه عن مناميهما المذكورين في القرآن ، وقد قيل: إنهما لم يريا شيئا وإنما جربا عليه فدعاهما إلى التوحيد أولا بقوله أأرباب متفرقون   . 
ثم فسر مناميهما ، فقالا: ما رأينا شيئا ، فقال: قضي الأمر   [12: 41] ثم وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك   [12: 42] . وأخبره أنه محبوس ظلما . فأوحي إليه: يا  [ ص: 313 ] يوسف  اتخذت من دوني وكيلا! لأطيلن حبسك ، فبكى وقال: يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى فقلت كلمة: فويل لإخوتي! فلبث في السجن سبع سنين ، ثم رأى الملك مناما ، وهو قوله: إني أرى سبع بقرات سمان   [12: 43] فقصها على أصحابه ، فقالوا: أضغاث أحلام   [12: 44] فقال الذي نجا من الفتيين ، وهو الساقي وادكر   [12: 45] أي: ذكر حاجة يوسف  أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون   [12: 45] فأرسلوه ، فأتى يوسف  فأخبره وقال: تزرعون سبع سنين   [12: 47] ومعناه: ازرعوا . فعاد إلى الملك ، فأخبره . وقال الملك ائتوني به   [12: 50] فأبى يوسف  أن يخرج حين رابه مما قرب به ، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن   [12: 50] فجمع الملك النسوة ، وقال: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله   [12: 51] ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته فقالت امرأة العزيز: أنا راودته   [12: 51] ، فقال يوسف:  ذلك الفعل الذي فعلت من ترديدي رسول الملك ليعلم  قطفير  سيدي أني لم أخنه بالغيب   [12: 52] . 
فلما تبين للملك عذر يوسف  ورأى أمانته ، قال: ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما   [12: 54] أتي به فكلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين   [12: 54] فقال: اجعلني على خزائن الأرض   [12: 55] أي: على حفظ الطعام إني حفيظ   [12: 55] لما استودعتني عليم   [12: 55] بسني المجاعة ، فولاه عمل قطفير ، وعزل قطفير ،  فهلك قطفير  في تلك الأيام ، وزوج الملك يوسف  امرأة قطفير ،  فلما دخلت عليه قال: أليس هذا خيرا مما كنت تريدين ،  [ ص: 314 ] فقالت: أيها الصادق لا تلمني فإني كنت امرأة حسناء في ملك ودنيا ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، وكنت فيما أعطاك ربك من الحسن فغلبتني نفسي ، فيزعمون أنه وجدها عذراء فأصابها ، فولدت له أفراييم  وميشا ،  فولد لأفراييم  نون ،  وولد لنون  يوشع  فتى موسى ،  وولد لميشا  موسى ،  وهو نبي قبل موسى بن عمران .  وقد روي في حقها غير هذا على ما سيأتي . 
فلما ولي يوسف  أمر الناس بالزرع فزرعوا ، فأمر بترك الزرع في سنبله ، ودخلت السنون المجدبة ، وقحط الناس وأجدبت بلاد فلسطين ،  وباع يوسف  الطعام بالدنانير والدراهم والحلي والجلل ، ثم باعهم في السنة الأخرى بالعبيد والإماء ، ثم باعهم بعد ذلك بالخيل والدواب ، ثم بالمواشي والبقر والطير ، ثم بالقرى والضياع والمنازل ، ثم باعهم بأنفسهم ، فلم يبق بمصر  رجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير إلا صار في ملك يوسف .  
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري ،  أخبرنا صاعد بن سيار ،  أخبرنا أحمد بن أبي سهل الغورجي ،  أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ  إجازة ، أخبرنا محمد بن أحمد بن حمزة ،  حدثنا محمد بن المنذر ،  قال: حدثني مطروح بن شاكر ،  حدثنا علي بن معبد العبدي ،  حدثنا عمر بن عبد الله القرشي ،  قال: جاء سيل  [بمصر]  فحسر عن بيت من ذهب في أصل جبل عليه مصراعان ، وفيه امرأة عليها سبعة عقود وسبعة أسورة ، وإلى جانبها صخرة مكتوب فيها: أنا شادة بنت فلان الملك ، أصابتنا مجاعة على عهد يوسف ،  فبذلت صاعا من درهم بصاع من طعام ، فلم أقدر عليه ، ثم بذلت صاعا من دنانير بصاع من طعام فلم أقدر عليه ، ثم بذلت صاعا من لؤلؤ بصاع من طعام فلم أقدر عليه ، فعمدت إلى اللؤلؤ فسحقته ثم شربته فزادني جوعا ، فمت جوعا ، فأيما امرأة طلبت الدنيا بعد فأماتها الله موتي؛ فإني إنما مت جوعا . 
 [ ص: 315 ] 
وقد روي أن زليخا  صارت في ملك يوسف؛  لأنها اشترت منه بجميع ملكها ، ثم بنفسها فأخرجها يوسف  من مدينته فابتنت لنفسها مسكنا على قارعة طريق يوسف ،  فغيرتها السنون ونسيها يوسف  واشتغل بملكه عليه السلام ، وكبرت وعميت وانحنى صلبها . وكان يوسف  يركب في كل شهر ركبة في ثمانمائة ألف ، وفي ألف لواء وألفي سيف ، يدور في عمله وينتصب لأهل مملكته ، وينصف للمظلوم من الظالم . 
وكانت زليخا  تلبس جبة صوف وتشد حقويها بحبل من ليف ، وتقف على قارعة الطريق فإذا حاذاها يوسف  نادته فلا يسمع نداءها ، ففعلت ذلك مرارا ، فركب يوما فنادته: أيها العزيز سبحان من جعل العبيد بالطاعة ملوكا ، وجعل الملوك بالمعصية عبيدا ، فسمعها فبكى والتفت إلى فتاه ، فقال: انطلق بهذه العجوز معك إلى دار الملك ، واقض لها كل حاجة ، فقال لها الغلام: ما حاجتك يا عجوز؟ فقالت له: إن حاجتي محرمة أن يقضيها غير يوسف ،  فأقبل يوسف  من موكبه فدعا بها ، وقال: من أنت يا عجوز؟ قالت: أنا معتقتك ومذللتك ، أنا زليخا ،  فبكى وقال: ما فعل حسبك وجمالك ، قالت: ذهب به الذي ذهب بذلتك ومسكنتك وأعطاك هذا الملك ، فقال: يا زليخا  إن لك عندي قضاء ثلاث حوائج فسلي ، فوحق شيبة إبراهيم  لأقضينها ، فقالت: حاجتي الأولى أن تدعو الله أن يرد علي بصري وشبابي ، فدعا الله لها فرد بصرها وشبابها ، فلما نظر إلى حسنها وجمالها لم يتمالك أن ضحك ، ثم قالت: ادع الله أن يرد علي حسني كما كان ، فدعا الله فرد حسنها وجمالها وزادها كرامة ليوسف ،  فصارت كأنها بنت ثماني عشرة سنة ، وكان لها يومئذ مائة وعشرون سنة ، فقالت: حاجتي الثالثة ، قال: ما هي؟ قالت: ليست حاجتي إليك ، قال: فما حاجتك؟ قالت: أن تتزوج بي ، فأوحى الله إليه أن تزوج بها ، وزينها بكل زينة ، ثم دخل بها فأصابها بكرا ، وأولدها اثني عشر ولدا . 
ذكر هذه القصة  أبو الحسين بن المنادي  من حديث  وهب بن منبه ،  وغيره . 
قال العلماء: وبلغ الجدب أرض كنعان  وهلكت ماشية يعقوب  ودوابه ، وجاع هو وأولاده ، فقال لهم: انطلقوا فاشتروا لنا من عزيز مصر  طعاما . وكان يوسف  قد أقعد صاحب جوازه على الطريق ، وأمره أن لا يترك أحدا من أهل الشام  يدخل مصر  إلا سأله عن حاله وقصته ، فلما قدم ولد يعقوب  سألهم من أين هم؟ فقالوا: نحن كنعانيون من بني يعقوب  النبي عليه السلام ، وكتب إلى يوسف  بذلك ، وأنهم يريدون اشتراء طعام ، فورد  [ ص: 316 ] الكتاب على يوسف  فبكى بكاء شديدا ، ثم قال: عز علي يا نبي الله بما قاسيت من فقراء الشام  وجوعها ، وأنا ملك مصر ،  ثم أدخلهم عليه فعرفهم وهم له منكرون   [12: 58] فجعته العبرة ، ثم قال: من أين أنتم؟ قالوا: من وادي كنعان ،  قال: ومن أنتم؟ قالوا: بنو يعقوب النبي ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل ،  فقال: حياكم الله يا ولد يعقوب ،  ألكم حاجة؟ 
قالوا: نعم ، أصابتنا خصاصة ، فوجهنا يعقوب  إليك نمتار منك طعاما ، فأمر بصرارهم فأخذت ، ثم دعا فتاه من حيث لا يشعرون ، فأمره أن يجعل كل صرة في حمل من الأحمال التي يكيل فيها الطعام لهم ، وكان هو يتولى الكيل بنفسه ويخيط الحمل بنفسه ، فلما أرادوا الرحيل ، قال: كيف رأيتم سيرتي وحسن ضيفي؟ قالوا: جزاك الله خيرا ، فقال: إن لي إليكم حاجة ، قالوا: وما حاجتك؟ قال: تخبروني كم ولد يعقوب؟  قالوا: اثنا عشر ، قال: فما أرى إلا عشرة ، قالوا: أما أحدهما وكان يقال له يوسف ،  وكان أجملنا فأكله الذئب ، قال: فالآخر ، قالوا: موكل بخدمة يعقوب  يتسلى به ، قال: فآتوني بأخيكم هذا ، فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون   [12: 60] . 
فرجعوا إلى يعقوب  فقصوا عليه قصتهم ، فبكى يعقوب ،  وقال: هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل   [12: 64] ثم فتحوا متاعهم فوجدوا الصرار ، فقالوا: يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا   [12: 65] ثم ما زالوا بيعقوب  حتى بعث معهم ابن يامين ،  ثم إنه كره أن تصيبهم العين ، فقال: لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة   [12: 67] . 
فلما وصلوا إليه فرأى يوسف  ابن يامين  خنقته العبرة ، فلما جلسوا نصب لهم موائد ستة ، وأمر كل واحد منهم أن يأخذ بيد أخيه من أمه وأبيه فيجلسان على مائدة ، وأخذ كل واحد بيد أخيه ، فبقيت مائدة خالية وابن يامين  قائم وحده ، فقال يوسف:  يا غلام ما لك لا تقعد مع إخوتك؟ قال: ليس لي قرين ، ولقد كان لي أخ فأكله الذئب ، فقال: أتحب يا غلام  [ ص: 317 ] أن أجلس أنا معك؟ قال: نعم ، فجلس معه فجعل ابن يامين  يبكي ، قال: ما لك؟ قال: أرى في وجهك علامات طالما كنت أراها في وجه أخي يوسف .  
فلما كال لهم أمر فتاه أن يجعل الصواع في رحل ابن يامين  فلما خرجوا نادى مناد: أيتها العير إنكم لسارقون   [12: 70] . 
فجرى لهم ما قص في القرآن إلى أن ظهر الصواع في رحل ابن يامين ،  فأقبلوا يلطمون وجه ابن يامين ،  وهو يقول: وحق شيبة إبراهيم  ما سرقت ولا علمت كما لم تعلموا أنتم بصراركم قبل ذلك ، فلما رجعوا إلى أبيهم ، تخلف روبيل ،  وقال: فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي   [12: 80] . 
فلما أخبروا يعقوب ،  قال: عسى الله أن يأتيني بهم جميعا   [12: 83] ، ثم أعرض عنهم ، وقال يا أسفى على يوسف   [12: 84] ، فقالوا له: لا تزال تذكر يوسف حتى تكون حرضا   [12: 85] فقال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله   [12: 86] لا إليكم وأعلم من الله ما لا تعلمون   [12: 86] من صدق رؤيا يوسف .  
وقيل: إن يعقوب  سأل ملك الموت: هل قبضت روح يوسف؟  قال: لا ، فقال لأصحابه: اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه   [12: 87] . 
فرجعوا إلى مصر ،  فدخلوا على يوسف  فقالوا: مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة   [12: 88] وكانت سمنا وصوفا ، فسألوا التجاوز عنهم ، وقالوا له: وتصدق علينا   [12: 88] أي: بفضل ما بين الرديء والجيد ، وقيل: ترد أخانا . فبكى وقال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه   [12: 89] 
 [ ص: 318 ] 
فقالوا: أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي   [12: 90] فقالوا: لقد آثرك الله علينا   [12: 91] فقال: ما فعل أبي؟ قالوا: عمي من الحزن ، فقال: اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين   [12: 93] . 
فلما فصلوا بالقميص قال يعقوب: إني لأجد ريح يوسف   [12: 94] فكان بينهما مسيرة ثمانية أيام . 
قال العلماء: واستأذنت الريح ربها أن تأتي بريح القميص يعقوب  قبل البشر ، فأذن لها . 
فلما وصل وهو يهوذا ،  وكان قد قال: أنا ذهبت بالقميص ملطخا بالدم فأخبرته أنه أكله الذئب وأنا أذهب اليوم بالقميص فأخبره أنه حي فأفرحه كما أحزنته ، فألقاه على وجه يعقوب  فارتد بصيرا ، فقال أولاده: يا أبانا استغفر لنا   [12: 97] قال سوف أستغفر لكم   [12: 98] فأخر ذلك إلى ليلة الجمعة وقت السحر . 
ثم دخل يعقوب  وأولاده وأهله إلى مصر ،  فلما بلغوا خرج يوسف  يتلقاه في ألوف كثيرة ، فنظر يعقوب  إلى الخيل ، فقال لابنه يهوذا  وهو يتوكأ عليه: هذا فرعون [مصر]؟ فقال: لا ، هذا ابنك يوسف .  فلما التقيا قال يعقوب:  السلام عليك يا مذهب الأحزان ، فلما دخلوا مصر  رفع أبويه على العرش ، وهو السرير . 
والمراد بأبويه: أبوه وأمه ، وقيل: بل خالته وكانت أمه قد ماتت . وخروا له -الوالدان والإخوة- سجدا . وكانت تحية الناس قديما .  [ ص: 319 ] 
فقال يوسف:  يا أبت هذا تأويل رؤياي   [12: 100] التي رأيتها ، وكان بين الرؤيا وتأويلها أربعون سنة . قاله سلمان .  وقال الحسن:  ثمانون . 
قال الحسن:  ألقي يوسف  في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان بين ذلك وبين لقاء يعقوب  ثمانين سنة ، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة . 
وقد زعم بعض أهل الكتاب أن يوسف  دخل مصر  وله سبع عشرة سنة ، وأقام في منزل العزيز ثلاث عشرة سنة ، فلما تمت له ثلاثون سنة استوزره فرعون ملك مصر ،  واسمه الريان بن الوليد ،  وأن هذا الملك آمن به ثم مات . 
وقال بعض علماء السير: أقام يعقوب  عند يوسف   [بمصر]  أربعا وعشرين سنة ، وقيل: سبع عشرة ، ومات وهو ابن مائة وسبع وأربعين سنة ، وعاش يوسف  بعد يعقوب  ثلاثا وعشرين سنة ، وأوصى إلى يوسف  أن يدفنه عند أبيه إسحاق ،  فحمله إلى هناك ، وأوصى يوسف  إلى أخيه يهوذا   [أن يدفن إلى جنب آبائه] ومات . 
 [ ص: 320 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					