باب ذكر موسى  عليه السلام  
كان بين موسى  وإبراهيم  ألف سنة ، وبين إبراهيم  ونوح  ألف سنة ، وبين نوح  وآدم  ألف سنة . 
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز ،  أخبرنا أبو محمد الجوهري ،  أخبرنا  أبو عمر بن حيويه ،  أخبرنا أحمد بن معروف ،  أخبرنا الحارث بن أبي أسامة ،  حدثنا محمد بن سعد ،  أخبرنا  قبيصة بن عقبة ،  أخبرنا سفيان بن سعد ،  عن أبيه ، عن عكرمة ،  قال: كان بين آدم  ونوح  عشرة قرون  كلهم على الإسلام . 
قال ابن سعد:  وأخبرنا محمد بن عمر ،  عن غير واحد من أهل العلم ، قالوا: كان بين آدم  ونوح  عشرة قرون ، القرن مائة سنة ، وبين نوح  وإبراهيم  عشرة قرون ، والقرن مائة سنة ، وبين إبراهيم  وموسى  عشرة قرون ، والقرن مائة سنة . 
وهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ،  كذلك قال هشام بن محمد ،  عن أبيه . 
وقال  ابن إسحاق:  موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي .  
ورأيته بخط  أبي الحسين بن المنادي:   "ناهب" بالنون والباء . 
واسم أم موسى يوخابذ .   [ ص: 332 ] 
وكان الكهان قد قالوا لفرعون -واسمه الوليد بن مصعب بن معاوية بن أبي نمير بن الهلواش بن ليث بن هاران بن عمرو بن عملاق .  
وكان فرعون يوسف  لا يؤذي بني إسرائيل بل يحسن إليهم ، فلما مات ولي بعده فرعون من فراعنتهم فلم يؤذ بني إسرائيل ، ثم ملك فرعون موسى ،  وهو الرابع من الفراعنة ، وكان أخبثهم ، وعاش ثلاثمائة سنة ، واستعبد بني إسرائيل وعذبهم ، [وصنفهم في أعماله] ، فصنف يبنون له ، وقوم يحرثون له ، ومن لا عمل له فعليه الجزية . 
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ،  أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ،  أخبرنا  إبراهيم بن عمر البرمكي ،  أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم  إجازة ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق ،  حدثنا أبو بكر المروزي ،  قال: حدثنا  أبو عبد الله المروزي ،  حدثنا محمد بن عبد ،  حدثنا معمر بن بشر ،  قال: سمعت  عبد الله بن المبارك ،  يقول: كان فرعون عطارا ، وكان من أهل أصبهان  فأفلس وركبه دين ، فخرج يلتمس ما يقضي دينه فلم تزل ترفعه أرض وتضعه أخرى حتى دخل مصر ،  ورأى عند باب المدينة وقر بطيخ بدرهم ، وفي المدينة بطيخة بدرهم . 
قال فرعون: قد صرت إلى موضع أقضي ديني وأستغني فاشترى وقرا بدرهم . 
ومضى ليدخله المدينة فتناول كل إنسان بطيخة حتى بقي معه واحدة وباعها بدرهم ، فضجر ، فقالوا له: هكذا سنتنا ، فقال: أما ها هنا أحد يعدل أو نصير؟ فقالوا: لا ها هنا ملك ، قد خلا بلذاته ، وسلط وزيره على الناس ليس ينظر في شيء ، فبسط لبدا على المقابر ، فجعل يأخذ من كل جنازة أربعة دراهم ، فصبر بذلك ما شاء الله حتى ماتت بنت الملك ، فمروا بها عليه ، فقال: هاتوا أربعة دراهم ، فقالوا: هذه بنت الملك ، فقال: هاتوا ثمانية ، فما زال وزالوا يتنازعون حتى أضعف عليهم مرات ، فلما رجعوا قالوا للملك: عمل بنا عامل الموتى كذا وكذا ، قال: ومن عامل الموتى ، فوصفوا له . 
 [ ص: 333 ] فبعث إلى وزيره ، فدعاه فقال: أنت استعملت هذا؟ قال: لا ، فدعاه ، فقال: من استعملك ، فقص عليه القصة ، وأخبره بأمر البطيخ وأنهم قالوا له: إنه ليس ها هنا أحد يعدل ، فلما رأيت ذلك صنعت ما ترى لينتهي إليك ، فتغير وتنتبه لملكك . 
قال: فمذ كم أنت على حالك ، فقال: سنين كثيرة حتى صرت إلى الأموال الكثيرة ، فأمر بوزيره فضربت عنقه ، واستوزر فرعون فسار فيهم بسيرة حسنة وأذاقهم فيها طعم العيش؛ لما كانوا فيه قبل ، يقضي [بالحق ولو على نفسه . 
ثم] إن الملك مات ، فقالوا: من نستخلف؟ فاجتمع رأيهم فقالوا: لا نستعمل غير هذا الذي أذاقنا طعم العيش ، فملكوه على أنفسهم ، فلم يزل عليهم يموت قرن ويخلفهم آخرون ، وتراخى به السن وطال ملكه حتى ادعى ما علمتم . 
قال علماء السير: قالت الكهنة لفرعون: يولد مولود في بني إسرائيل يكون هلاكك على يده ، فأمر بذبح أبنائهم ، ثم اشتكت القبط إلى فرعون وقالت: إن دمت على الذبح فلم يبق من بني إسرائيل من يخدمنا ، فصار يذبح سنة ويترك سنة . 
فولد هارون   في السنة التي لا يذبح فيها ، وولد موسى   بعده بسنة . 
وقال قوم: بينهما ثلاث سنين . 
قال وهب:  بلغني أنه ذبح سبعين ألف وليد فلما حملت أم موسى  بموسى  لم يتبين حملها ولم تعلم بولادتها إلا أخته مريم ،  فكتمته ثلاثة أشهر . 
فلما ولد موسى  دخل الطلب إليها فرمته في التنور فسلم ، ثم خافت عليه ، فصنعت له تابوتا وألقته في البحر فحمله الماء إلى أن ألقاه بين يدي فرعون . 
فلما فتح التابوت فنظر إليه ، قال: عبراني من الأعداء ، كيف أخطأه الذبح؟ 
فقالت آسية:  هذا أكبر من ابن سنة ، وإنما أمرت بذبح أولاد هذه السنة ، فدعه يكون قرة عين لي ولك . 
 [ ص: 334 ] 
وكان فرعون لا يولد له إلا البنات ، فتركه وأحبه . 
ولما رمته أمه في اليم بكت وجزعت ، فربط الله على قلبها فسكنت وكانت تتوكف الأخبار ، حتى سمعت أن فرعون أخذ صبيا في تابوت فعرفت القصة ، فقالت لأخته - واسمها مريم ،  وكان له أختان: مريم  وكلثوم-:  قصيه فانظري ماذا يفعلون به . 
فدخلت أخته على آسية  مع النساء ، وقد عرضت عليه المرضعات ، فلم يقبل ثديا ، فقالت أخته: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم؟ قالوا: نعم ، من هم؟ قالت: حنة امرأة عمران ،  فبعثوا إليها ، فأخذ ثديها فشرب ونام . 
فلما انتهى رضاعه ردته إلى فرعون ، فاتخذه يوما في حجره فمد بلحيته ، فقال: علي بالذابح ، فقالت آسية:  إنما هو صبي لا يعقل . وأخرجت له ياقوتا وجمرا فوضع يده على جمرة فطرحها في فيه فأحرقت لسانه ، فذلك قوله: واحلل عقدة من لساني   [20: 27] . 
وكبر موسى  فكان يركب مراكب فرعون ، ويلبس مثل ما يلبس ، وكان يدعى موسى بن فرعون . 
وإن فرعون ركب يوما وليس عنده موسى ،  فلما جاء موسى  ركب في أثره ، فوجد في المدينة رجلين يقتتلان هذا من شيعته   [28: 15] أي: من بني إسرائيل وهذا من عدوه   [28: 15] يعني القبط . فاستغاثه الإسرائيلي على القبطي ، فوكزه موسى  فمات . 
فندم موسى  على قتله ، وأصبح خائفا أن يؤخذ [به] . 
فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه  أي: يستغيثه على آخر . وكان القبط قد أخبروا فرعون بالقتل ، فقال: إن عرفتم قاتله فأخبروني ، فلم يعرفوه ، فلما أراد موسى  أن ينصر الإسرائيلي في هذا اليوم الثاني ظن الإسرائيلي أنه يقصده بالأذى ، فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس   [28: 19] . 
 [ ص: 335 ] 
فعلم الناس أنه هو القاتل ، فطلبوه فخرج خائفا فهداه الله إلى مدين .  
قال  سعيد بن جبير:  خرج إلى مدين  وبينه وبينها مسيرة ثمان ، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر فخرج حافيا . 
قال  السدي:  ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان   [28: 23] أي: تحبسان غنمهما ، فسألهما: ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير   [28: 23] فرحمهما موسى  فأتى البئر فاقتلع صخرة على البئر ، كان يجتمع عليها نفر حتى يرفعوها ، فسقى لهما ورجعتا ، وإنما كانتا تسقيان من فضول الحياض ، ثم تولى موسى إلى ظل شجرة ، فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير   [28: 24] . 
قال  ابن عباس:  ورد ماء مدين  وإنه ليتراءى خضرة البقل في بطنه [من الهزال] . 
قال  السدي:  فلما رجعت الجاريتان إلى أبيهما سريعا سألهما ، فأخبرتاه خبر موسى ،  فأرسل إليه إحداهما فأتته تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك   [28: 25] . 
فقام معها فمشت بين يديه ، [فضربتها الرياح فنظر إلى عجيزتها] ، فقال: امشي خلفي ودليني الطريق . 
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ،  أخبرنا علي بن محمد العلاف ،  أخبرنا عبد الملك بن عمر بن بشران ،  أخبرنا حمزة بن محمد الدهقان ،  حدثنا عباس  [ ص: 336 ] الدوري ،  حدثنا عبد الله ،  أخبرنا  إسرائيل ،  عن أبي إسحاق ،  عن عمرو بن ميمون ،  عن  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه ، أن موسى   -عليه السلام- لما ورد ماء مدين  وجد عليه أمة من الناس يسقون ،  فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ، فلا يطيق رفعها إلا عشرة رجال ، فإذا هو بامرأتين تذودان ، قال: ما خطبكما؟ فحدثتاه ، فأتى الحجر فرفعه ، ثم لم تسق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم ، ورجعت المرأتان إلى أبيهما ، فحدثتاه ، وتولى موسى الظل ، فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير   [28: 24] . 
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء   [28: 25] واضعة ثوبها على ثغرها ، فقالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا   [28: 25] فقال لها: امشي خلفي ودليني الطريق ، فإني أكره أن يصيب الريح ثيابك فيصف لي جسدك . 
فلما انتهى إلى أبيها وقص عليه القصص   [28: 25] قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين   [28: 26] قال: يا بنية ، ما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أما قوته فرفعه الحجر ولا يطيقه إلا عشرة ، وأما أمانته ، فقال لي: امشي خلفي وصفي الطريق؛  فإني أكره أن يصيب الريح ثوبك فيصف لي جسدك . 
قال  السدي:  لما سمع شعيب  قولها قال: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين   [28: 27] . 
فزوج التي دعته ، وقضى أيما الأجلين . 
فأما اسم المرأة التي تزوجها فهو صفورا ،  والأخرى ليا .  
وقد روي عن  ابن عباس  أن الذي استأجره صاحب مدين ،  واسمه يثربي .  
 [ ص: 337 ] 
وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود:  وهو ابن أخي شعيب .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					