وفي هذه السنة: من المهدي خراسان في شوال على المنصور ، فوفد إليه عامة أهل بيته [من كل بلد] يهنئونه فأجازهم وكساهم وحملهم ، وفعل بهم قدم مثل ذلك ، وأجرى على كل رجل منهم خمس مائة درهم . المنصور
وفي هذه السنة: ببناء المنصور الرصافة في الجانب الشرقي من مدينة السلام لابنه المهدي . ابتدأ
وكان السبب في ذلك: أن الراوندية لما حاربوا على باب الذهب دخل عليه المنصور قثم بن العباس بن عبد الله بن العباس ، وهو يومئذ شيخ كبير ومقدم عند القوم ، فقال له أبو جعفر : أما ترى ما نحن فيه من التياث العسكر علينا ، قد خفت أن تجتمع كلمتهم فيخرج هذا الأمر من أيدينا ، فما ترى؟ فقال: يا أمير المؤمنين ، عندي [ ص: 147 ] في هذا رأي ، إن أنا أظهرته لك فسد ، وإن تركتني أمضيه صلحت لك خلافتك وهابك جندك ، فقال: أفتمضي في خلافتي بشيء لا تعلمني ما هو؟ فقال له: إن كنت عندك متهما على دولتك فلا تشاورني ، وإن كنت مأمونا عليها فدعني أمضي رأيي قال: فقال له : أمضه ، قال: فانصرف المنصور قثم إلى منزله فدعا غلاما له فقال: إذا كان غدا فتقدمني فاجلس في دار أمير المؤمنين ، فإذا رأيتني قد دخلت وتوسطت أصحاب المراتب ، فخذ بعنان بغلتي واستوقفني واستحلفني بحق رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وبحق العباس ، وبحق أمير المؤمنين لما وقفت لك وسمعت مسألتك وأجبتك عنها ، فإني سأنتهرك وأغلظ لك فلا يهولنك ذلك مني ، وعاودني بالقول والمسألة ، فإني سأضربك بالسوط ، فلا يشق عليك ذلك ، وقل: أي الحيين أشرف؟ أهل اليمن أو مضر؟ فإذا أجبتك فخل عنان بغلتي وأنت حر ، فغدا الغلام فجلس حيث أمره ، فلما جاء فعل ما أمره به إلى أن قال: أي الحيين أشرف أهل اليمن أو مضر؟ فقال له قثم: مضر ، منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيها كتاب الله عز وجل ، وفيها بيت الله ، ومنها خليفة الله . قال: فامتعضت أهل اليمن إذ لم يذكر لها شيئا من شرفها فقال قائل من قواد أهل اليمن لغلامه: قم فخذ بعنان بغلة الشيخ فاكبحها كبحا عنيفا تطأ من به ، ففعل الغلام حتى كاد يقعيها على عراقيبها ، فامتعضت [من ذلك مضر] وقالت: أيفعل هذا بشيخنا وأمر رجل منهم غلامه فقال: اقطع يد العبد ، فقام ذلك إلى غلام اليماني فقطع يده ، فتفرق الحيان ، وصرف قثم بغلته ، فدخل على أبي جعفر ، وافترق الجند ، وصارت مضر فرقة ، واليمن فرقة ، وربيعة فرقة ، والخراسانية فرقة ، فقال قثم لأبي جعفر: قد فرقت بين جندك وجعلتهم أحزابا ، كل حزب منهم يخاف أن يحدث عليك حدثا ، فتضربه بالحزب الآخر ، وقد بقي عليك في التدبير بقية ، قال: وما هي؟ قال: اعبر بابنك ، فابن له من ذلك الجانب قصرا وحول معه من جيشك قوما فيصير ذلك بلدا وهذا بلدا ، فإن [ ص: 148 ] فسد عليك أهل هذا الجانب ضربتهم بأهل ذلك الجانب ، فإن فسدت عليك مضر ضربتها باليمن وربيعة والخراسانية ، وإن فسدت عليك اليمن ضربتها بمن أطاعك من مضر وغيرها .
فقبل رأيه وأمره فاستوى له ملكه ، وكان سبب البناء في الجانب الشرقي ، فبنى الرصافة للمهدي ، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا ، وأجرى له الماء ، وأقطع القواد هناك قطائع ، وتولى صالح صاحب المصلى القطائع في الجانب الشرقي ، وفعل كفعل أبي العباس الطوسي في فصول القطائع في الجانب الغربي .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن علي بن مخلد الوراق قال: حدثنا محمد بن جعفر التميمي قال: حدثنا الحسن بن محمد السكوني قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثنا أحمد بن محمد الشروي ، عن أبيه [قال]: قدم من المهدي المحمدية بالري سنة إحدى وخمسين ومائة ، في شوال ، ووفدت إليه الوفود ، وبنى له المنصور الرصافة ، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا ، وأجرى لها الماء .
قال وقال ابن خلف: يحيى بن حسن: كان بناء بالرهوص إلا ما كان يسكنه . المهدي
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: [أخبرني القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيرمي ، قال: أنبأنا محمد بن عمران المرزباني ، قال: أخبرني محمد بن يحيى ، قال:] أخبرني محمد بن موسى المنجم أن المعتصم وابن أبي دؤاد اختلفا في مدينة أبي جعفر والرصافة أيهما أعلى؟ [قال]: فأمر بي فوزنتهما فوجدت [المدينة] أعلى من المعتصم الرصافة بذراعين وثلثي ذراع . [ ص: 149 ]
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: وقيل إن الدروب والسكك أحصيت ببغداد ، فكانت ستة آلاف درب وسكة بالجانب الغربي ، وأربعة آلاف درب وسكة بالجانب الشرقي .