وفي هذه السنة: حبس المعتصم العباس بن المأمون ، وأمر بلعنه .
وكان السبب في ذلك: أن العباس دس رجلا يقال له: الحارث السمرقندي ، وكان يأنس إلى القواد ، فدار في العسكر حتى تألف له جماعة منهم ، وبايعه منهم خواص العسكر ، وسمى لكل رجل من القواد رجلا من أصحابه ووكله به ، وقال: إذا أمرنا فليثب كل رجل منكم على من ضمناه أن يقتله ، فضمنوا له ذلك ، فوكل رجلا ممن بايعه من خاصة الأفشين بالأفشين ، ومن خاصة أشناس بأشناس ، ومن خاصة المعتصم بالمعتصم ، فضمنوا ذلك جميعا ، فلما أرادوا أن يدخلوا الدرب وهم يريدون أنقرة وعمورية ، أشار عجيف على العباس أن يثب على في الدرب وهو في قلة من الناس ، فيقتله ويرجع إلى المعتصم بغداد ، فيفرح الناس بانصرافهم من الغزو ، فأبى العباس وقال: لا أفسد هذه الغزاة . حتى دخلوا بلاد الروم وافتتحوا عمورية ، فقال عجيف يا نائم ، كم تنام والرجل ممكن ، دس قوما ينتهبون هذا الحرثي ، فإنه إذا بلغه ذلك ركب في سرعة ، فتأمر بقتله هناك ، فأبى للعباس: العباس ، وقال: انتظر حتى نصير في الدرب . ونمى حديث الحارث السمرقندي ، فحمل إلى فأقر وأخبر بخبر المعتصم ، العباس ومن بايعه ، فأطلقه وخلع عليه ، ودعا المعتصم بالعباس فأطلقه [ ص: 84 ] ومناه ، وأوهمه أنه قد صفح عنه ، فتغدى معه ، ثم دعاه بالليل فاستحلفه أن لا يكتمه شيئا من أمره [فشرح له قصته ، وسمى له جميع من دب في أمره ، ثم دعا الحارث] ، فقص عليه مثل ما قص العباس فصفح عن الحارث ، ودفع العباس إلى الأفشين ، وتتبع أولئك القواد ، فأخذوا جميعا ، وكان منهم المعتصم فأمر به أن يحمل على بغل بإكاف بلا وطاء ، ويطرح في الشمس إذا نزل ، ويطعم كل يوم رغيفا واحدا ، وكان منهم أحمد بن الخليل ، عجيف ، فدفع إلى إيتاخ ، فعلق عليه حديدا كثيرا ، فلما نزل العباس منبج - وكان العباس جائعا - سأل الطعام فقدم إليه ، فأكل فلما طلب الماء منع وأدرج في مسح ، فمات فيه بمنبج ، وكذلك عجيف قدم إليه الطعام ومنع الماء فمات ، وأهلك كل واحد من القوم بسبب ورود المعتصم سامراء [سالما] ، فسمى العباس يومئذ اللعين .
ولما فتح المعتصم عمورية ، قال محمد بن عبد الملك الزيات:
أقام الإمام منار الهدى وأخرس ناقوس عموريه فقد أصبح الدين مستوسقا
وأضحت زياد الهدى واريه
ومن الحوادث: حصول جارية في يد محمود الوراق بعد موت سيدها المعتصم محمود الوراق .
أخبرنا أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرني أحمد [بن علي] بن ثابت الأزهري ، حدثنا محمد بن جعفر النجار ، أخبرنا أبو محمد العتكي ، حدثنا عن يموت بن المزرع ، قال: طلب الجاحظ جارية كانت المعتصم لمحمود الوراق ، وكان نخاسا ، بسبعة آلاف دينار [فامتنع محمود من بيعها ، فلما مات محمود اشتريت للمعتصم من ميراثه بسبعمائة دينار] ، فلما دخلت عليه ، قال [لها] : كيف رأيت تركتك [حتى [ ص: 85 ] اشتريتك] من سبعة آلاف دينار بسبعمائة؟ قالت: أجل ، إذا كان الخليفة ينتظر بشهواته المواريث ، فإن سبعين دينارا كثيرة في ثمني فضلا عن سبعمائة . فأخجلته .
[وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود] .