من أهل منبج ، بها ولد سنة ست ومائتين ، وبها نشأ وتأدب ، وخرج إلى العراق فمدح وخلقا من الرؤساء والأكابر ، وأقام المتوكل ببغداد زمانا طويلا ، ثم رجع إلى بلده فمات به ، وكان فصيحا نقي الكلام ، وقد روى عنه [ من ] شعره المبرد ، وابن المرزبان ، وابن درستويه ، وكان [ ينحو نحو أبى تمام ] ويقول أبو تمام الأستاذ ، وقيل له : إن الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام ، [ فقال ] والله ما ينفعني [ ص: 393 ] هذا ولا يضر أبا تمام ] والله ما أكلت الخبز إلا به .
ولما سمع أبو تمام شعره ، قال : نعيت إلي نفسي ، فإنه ليس يطول عمري وقد نشأ لطيئ مثلك فمات [ أبو تمام ] بعد سنة ، وكان شعر البحتري في المديح أجود من المراثي ، فسئل عن سبب ذلك ، فقال : كنا نقول للرجاء ونحن الآن نعمل للوفاء ، وبينهما بعد .
أخبرنا قال : أخبرنا أبو منصور القزاز ، أحمد بن علي بن ثابت ، قال : أخبرني أبو يعلى : أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن جعفر التميمي ، قال : أخبرنا ، عن أبو بكر الصولي ابن البحتري ، قال : دخل أبي على بعض العمال قد ذكره في حبس [ وهو ] يطالب بما لا يقدر عليه من الأموال فأنشأ يقول : المتوكل
جعلت فداك الدهر ليس بمنفك من الحادث المشكو والنازل المشكي وما هذه الأيام إلا منازل
فمن منزل رحب ومن منزل ضنك وقد هذبتك الحادثات وإنما
صفا الذهب الإبريز قبلك [بالسبك] أما في نبي الله يوسف أسوة
لمثلك مسجونا على الزور والإفك أقام جميل الصبر في السجن برهة
فأسلمه الصبر الجميل إلى الملك [ ص: 394 ] ومن شعره أيضا :
ألا لا تذكرني الحمى إن ذكره جوى للمشوق المستهام المعذب
أتت دون ذاك العهد أيام جرهم فطارت بذاك العيش عنقاء مغرب
ويا لائمي في عبرة قد سفحتها لبين وأخرى قبلها للتجنب
تحاول مني شيمة غير شيمتي وتطلب عندي مذهبا غير مذهبي
ولما تزايلنا من الجزع وانتأى مشرق ركب مصعد من مغرب
تبينت أن لا دار من بعد عالج تسر ، وأن لا خلة بعد زينب
سلام عليكم لا وفاء ولا عهد أما لكم من هجر خلانكم بد؟
أأحبابنا قد أنجز الدهر وعده وشيكا ولم ينجز لنا منكم وعد
أأطلال دار العامرية باللوى سقت ربعك الأنواء ما فعلت هند؟
بنفسي من عذبت نفسي بحبه وإن لم يكن منه وصال ولا ود
حبيب من الأحباب شطت به النوى وأي حبيب ما أتى دونه البعد
إذا جزت صحراء الغوير مغربا وجازتك بطحاء السواجير يا سعد
فقل لبني الضحاك مهلا فإنني أنا الأفعوان الصل والضيغم الورد
إن جرى بيننا وبينك عتب أو تناءت منا ومنك الديار
فالغليل الذي علمت مقيم والدموع التي عهدت غزار
أقول له عند توديعنا وكل بعبرته مبلس
لئن قعدت عنك أجسامنا لقد سافرت معك الأنفس
ترون بلوغ المجد أن ثيابكم يلوح عليها حسنها وبصيصها
وليس العلى دراعة ورداؤها ولا جبة موشية وقميصها
تنكر العيش حتى صار أكدره يأتي نظاما ويأتي صفوه لمعا
فقد الشقيق غرام ما يرام وفي فقد التجمل وهن يعقب الظلعا
كلاهما عبء مكروه إذا افترقا فكيف يقلهما الواهي إذا اجتمعا
ليس المصيبة في الثاوي مضى قدرا بل المصيبة في الباقي هوى جزعا
[ ص: 396 ] إن البكاء على الماضين مكرمة لو كان ماض إذا بكيته رجعا
صعوبة الرزء تلفى في توقعه مستقبلا وانقضاء الرزء إن يقعا
هم ونحن سواء غير أنهم أضحوا لنا سلفا نمشي لهم تبعا
عجب الناس لاغترابي وفي الأطراف تغشى منازل الأشراف
وجلوسي عن التصرف والأرض لمثلي رحيبة الأطراف
ليس لي ثروة بلغت مداها غير أني امرؤ كفاني كفافي
قد رأى الأصيد المنكب عني صيدي عن فنائه وانصرافي
وغبي الأقوام من بات يرجو فضل من لا يجود بالإنصاف
إن تنل قدرة فقد نلت صونا والتغاني بين الرجال تكافي
مضى أهلك الأخيار إلا أقلهم وبادوا كما بادت أوائل [جرهم]
قبور بأطراف الثغور كأنما مواقعها منها مواقع أنجم
ولما رأوا أن الحياة مذلة عليهم وعز الموت غير مجرم
أبوا أن يذوقوا العيش والذم واقع عليه وماتوا ميتة لم تذمم
[ ص: 397 ] مساع عظام ليس يبلى جديدها وإن بليت منها رمائم أعظم
سلام على تلك الخلائق إنها مسلمة من كل عار ومأثم
ولا عجب للأسد إذ ظفرت بها كلاب الأعادي من فصيح وأعجم
فحربة وحشي سقت حمزة الردى وحتف علي في حسام ابن ملجم
1928 - هارون بن عيسى بن يحيى ، أبو محمد الصيرفي .
روى عن أبي عبد الرحمن المقري ، وعبد الله بن عبد الحكم . . وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة . وكان من عقلاء الناس ثقة في الحديث