ثم دخلت
فمن الحوادث فيها: سنة إحدى وثلاثمائة
غزو الحسين بن حمدان الصائفة ، ففتح حصونا كثيرة ، وقتل من الروم خلقا كثيرا .
وفيها : المقتدر بالله محمد بن عبيد الله عن الوزارة ، وحبسه أياما مع ابنيه عزل عبد الله ، وعبد الوهاب . وقلد الوزارة علي بن عيسى ، وكان [من] أفضل الوزراء وأيامه أبهى من غيرها ، وكان يجتهد في العدل والإحسان .
وفيها: كثرت الأمراض الدموية بالناس ببغداد ، وكان ذلك في آخر تموز [وآب] وكان من ذلك المرض نوع سموه الماشري ، وكان طاعونا قاتلا .
وفيها: وصلت هدايا صاحب عمان إلى السلطان ، وفيها ببغة بيضاء ، وغزال أسود .
وركب في شعبان على الظهر إلى المقتدر باب الشماسية على طريق الصحراء ، ثم انحدر إلى داره في دجلة ، وهي أول ركبة ظهر فيها للعامة . [ ص: 142 ]
ولما ولي الوزارة علي بن عيسى شاوره في أمر المقتدر القرامطة ، فأشار بمكاتبة أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي المتغلب على هجر ، فتقدم إليه بمكاتبته ، فكتب كتابا طويلا يتضمن الحث على طاعة الخلفاء ، ويعاتبه على تركه الطاعة ، ويوبخه على ما يحكي عن أصحابه من إعلان الكفر وإنكارهم على من يسبح الله عز وجل ويقدسه ، واطراحهم الصلوات والزكوات ، واستهزائهم بأهل الدين [واسترقاقهم الأحرار] ، ثم تواعده فيه بالحرب إن لم يطع فوصل الكتاب إليه ، وقد قتل أبو سعيد ، وثب عليه خادم له صقلابي فقتله ، ثم دعا رجلا من رؤساء أصحابه فقال له: السيد يدعوك ، [فلما دخل] قتله ، ثم دعا آخر فقتله إلى أن دعا الخامس فرأى القتلى فصاح ، واطلع النساء فصحن فقبضن عليه قبل أن يقتل الخامس ، وقد كان أبو سعيد عهد إلى ابنه سعيد فلم يضطلع بالأمر فغلبه عليه أخوه الأصغر أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد فتوقفت الرسل الذين حملوا الكتاب عن إيصاله ، وكاتبوا الوزير علي بن عيسى ، فأمرهم بإيصال الكتاب إلى أولاده ومن قام مقامه ، فأوصلوه فكان من جوابهم بعد حمد الله عز وجل والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيم الخليفة ، وشكر ما يبلغهم عن الوزير من العدل ، وقالوا: إنا لم نخرج من الطاعة ولكنا كنا قوما مستورين فنقم علينا ذلك فجار من الناس لا دين لهم فشنعوا علينا وقذفونا بالكبائر ، ثم خرجوا إلى سبنا وضربنا ، ثم نادوا قد أجلناكم ثلاثة أيام فمن أقام بعدها أحل بنفسه العقوبة ، فخرجنا فوثبوا علينا قبل الأجل ، وضربونا وأغرمونا الأموال ، فسألناهم أن يؤمنونا على أنفسنا فلم يفعلوا ، وأمر صاحب البلد بقتلنا فهربنا ، فأخذوا حرمنا وسلبوهم سلبا قبيحا ، وانتهبوا منازلنا فلجأنا إلى البادية ، فخرج ناس إلى المعتضد [بالله] فشنعوا علينا ، [ ص: 143 ] فصدق مقالتهم وبعث إلينا من يخاصمنا ، فدافعنا عن أنفسنا [فقويت] وحشتنا من الخلق ، وأما ما ادعى علينا من ترك الصلاة وغيرها ، فلا يجوز قبول دعوى إلا ببينة ، وإذا كان السلطان ينسبنا إلى الكفر [بالله تعالى] فكيف يسألنا أن ندخل في طاعته .
فلما وصل كتابهم كتب الوزير إليه كتابا جميلا يعدهم فيه بالخير .
وفي هذه السنة: جرت ملاحة بين ابن الجصاص ، وإبراهيم بن [أحمد] المادرائي ، فقال إبراهيم بن أحمد: مائة ألف دينار من مالي صدقة ، لقد أبطلت في الذي حكيته عني ، فقال [له] قفيز دنانير من مالي صدقة لقد صدقت وأبطلت في قولك ، فقال له ابن الجصاص إبراهيم المادرائي : من جهلك أنك لا تعلم أن مائة ألف دينار أكثر من قفيز ، فعجب الناس من كلامهما ، واعتبر هذا فإذا القفيز ستة وتسعون ألف دينار .
وفي هذه السنة: قبض بالسوس على وحصل في يد الحسين بن منصور الحلاج ، عبد الرحمن خليفة علي بن أحمد الراسبي ، وأخذت له كتب ورقاع فيها أشياء مرموزة ، ثم حمل فأدخل إلى مدينة السلام على جمل ، ومعه غلام له على جمل آخر مشهورين ونودي عليه: هذا أحد دعاة القرامطة ، فاعرفوه وحبس ، ثم أحضره [ ص: 144 ] الوزير علي بن عيسى وناظره ، فلم يجده يقرأ القرآن ولا يعرف من الفقه شيئا ، ولا من الحديث ، ولا من الأخبار ، ولا الشعر ، ولا اللغة . فقال له علي بن عيسى: تعلمك الطهور والفروض أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها ، كم تكتب ويلك إلى الناس: "تبارك ذو النور الشعشعاني" ما أحوجك إلى الأدب؟ ثم أمر به فصلب حيا في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة ، ثم في الجانب الغربي حتى رآه الناس ، ثم حمل إلى دار السلطان فحبس بها ، فاستمال بعض أهلها بإظهار السنة حتى مالوا إليه وصاروا يتبركون به ويستدعون منه الدعاء . [قال مؤلفه] : وستأتي أخباره إن شاء الله تعالى .
وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك .
ووقع وباء في آخر السنة ببغداد ، خصوصا في الحربية حتى غلقت أكثر دورها .