ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها :
أنهم وجدوا رجلا أعجميا واقفا على سطح مجلس من دار السر التي كان يكثر الجلوس فيها عند والدته عليه ثياب دبيقي وتحتها قميص صوف ومعه محبرة ومقلمة وسكين وأقلام ، وقيل : إنه دخل مع الصناع فحصل في الموضع وبقي أياما ، فعطش ، فخرج يطلب الماء ، فظفر به وسئل عن حاله ، فقال : ليس يجوز أن أخاطب غير صاحب هذه الدار ، فأخرج إلى المقتدر أبي الحسن بن الفرات ، فقال : أنا أقوم مقام صاحب الدار ، فقال : ليس يجوز غير خطابه فضرب فعدل إلى أن قال : ندانم ، ولزم هذه اللفظة ، فضرب حتى مات ، فأخرج ، فصلب ، ولطخ بالنفط ، وضرب بالنار وأرجف الناس بأن ابن الفرات دسه ليوهم المقتدر أن نصرا الحاجب أراد أن يحتال ليفتك به لأنهم أرادوا مصادرة نصر .
وفي هذه السنة : ضعف أمر بعد قوته ، وكان السبب أنه ورد الخبر في محرم هذه السنة بأن أبي الحسن ابن الفرات أبا طاهر بن أبي سعيد الجنابي ورد إلى الهبير ليلتقي حاج سنة إحدى عشرة وثلاثمائة في رجوعهم ، وأوقع ببعض الحاج ، ومضى بعضهم [ ص: 239 ] على غير الطريق ، فعارضهم أبو طاهر وقاتلهم يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة اثنتي عشرة ، فقتل منهم قتلا مسرفا وأسر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان ، وكان إليه الكوفة وطريق مكة وبذرقة الحاج ، وأسر معه جماعة من خدم السلطان وأسبابه ، وأخذ جمال الحاج وسبى من اختار من النساء والرجال والصبيان ، وسار بهم إلى هجر ، وترك باقي الحاج في مواضعهم بلا جمال ولا زاد ، وكانت سن أبي طاهر في ذلك الوقت سبع عشرة سنة ، فمات أكثر الحاج بالعطش والحفاء ، وحصل له ما حزر من الأموال ألف ألف دينار ، ومن الأمتعة والطيب وغير ذلك بنحو ألف ألف ، وكان جميع عسكره نحوا من ثماني مائة فارس ، ومثلهم رجاله ، فانقلبت بغداد ، وخرجت النساء منشورات الشعور مسودات الوجوه يلطمن ويصرخن في الشوارع ، وانضاف إليهن حرم المنكوبين الذين نكبهم ، وكانت صورة شنيعة ، فركب ابن الفرات إلى المقتدر وحدثه الحال ، فقال له ابن الفرات نصر الحاجب : الساعة تقول أي شيء الرأي ؟ بعد أن زعزعت أركان الدولة وعرضتها للزوال بإبعادك مؤنسا المظفر الذي يناضل الأعداء . ومن الذي أسلم رجال السلطان وأصحابه إلى القرمطي سواك ؟ وأشار نصر على بمكاتبة مؤنس بالتعجيل إلى الحضرة ، فأمر أن يكتب إليه بذلك ، ووثب العامة على المقتدر ، فرجمت طيارته بالآجر ، ورجمت داره ، وصاحوا : يا ابن الفرات القرمطي الكبير ، وامتنع الناس من الصلاة في الجوامع ، ثم قبض على ابن الفرات وابنيه وأسبابه ، وحمل إلى دار ابن الفرات نازوك والعامة يضربونه بالآجر ، ويقولون : قد قبض على القرمطي الكبير ، وأخذ خطه بألفي ألف دينار ، وكان ابنه المحسن يخرج في زي النساء ، فغمز عليه فأخذ وكتب خطه بثلاثة آلاف ألف دينار ، وقتل ابن الفرات وولده المحسن ، ووزر أبو القاسم عبد الله بن محمد الخاقاني .
وورد كتاب من محمد بن عبد الله الفارقي من البصرة يذكر أن كتاب أبي [ ص: 240 ] الهيجاء عبد الله بن حمدان ورد عليه من هجر ، وأنه كلم أبا طاهر في أمر من كان استأسر من الحاج ، وسأل إطلاقهم ، وأنه أحصى من قتله ، منهم فكانوا من الرجال ألفين ومائتين وعشرين ، ومن النساء نحو خمسمائة امرأة ، ووعد بإطلاقهم .
ثم وردت الأخبار بورود طائفة إلى البصرة إلى أن كان آخر من أطلق منهم أبو الهيجاء في جماعة من أصحاب السلطان ، وقدم معهم رسول من أبي طاهر يسأل الإفراج له عن البصرة والأهواز فأنزل وأكرم وأقيمت له الأنزال الواسعة ولم يجب إلى ما التمس ، وأنفق السلطان في خروج مؤنس إلى الكوفة ، ثم إلى واسط ألف ألف دينار .
ومن الحوادث : أن نازوك جلس في مجلس الشرطة ببغداد ، فأحضر له ثلاثة نفر من أصحاب الحلاج ، وهم : حيدرة ، والشعراني ، وابن منصور فطالبهم بالرجوع عن مذهب الحلاج ، فأبوا ، فضرب أعناقهم ، ثم صلبهم في الجانب الشرقي من بغداد ، ووضع رءوسهم على سور السجن في الجانب الغربي .
وظهر بين الكوفة وبغداد رجل يدعي أنه محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجمع جمعا عظيما من الأعراب ، واستفحل أمره في شوال ، فأنفذ أبو القاسم الخاقاني حاجبه أحمد بن سعيد ، وضم إليه خمسمائة رجل من الفرسان وألف راجل ، وأمره بمحاربته ، فظفر بجماعة من أصحابه وانهزم الباقون .