ثم دخلت سنة ست عشرة وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها :
أن أبا طاهر الهجري دخل إلى الرحبة ، فوضع السيف في أهلها ، وأن أهل قرقيسيا طلبوا منه الأمان فأمنهم ، ونادى فيهم أن لا يظهر أحد بالنهار وأنفذ أبو طاهر سرية إلى الأعراب ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، فصاروا إذا سمعوا به هربوا ، وقصد الرقة وقتل بها جماعة ، ثم انصرف إلى بلده . ولما رأى علي بن عيسى تحكم الهجري في البلاد وعجز السلطان عنه استعفى من الوزارة ، وكانت مدة وزارته هذه سنة وأربعة أشهر ويومين .
وكان يتشوف إلى معرفة خبر الهجري ، ولم يكن أحد يكاتبه بشيء من أخباره إلا المقتدر بالله الحسن بن إسماعيل الإسكافي عامل الأنبار ، فإن كتبه كانت ترد في كل أيام إلى علي بن عيسى ، فينهيها فأقام أبو علي بن مقلة أطيارا وكوتب عليها بأخبار الهجري وقتا فوقتا ، وكان ينفذها إلى نصر الحاجب ، فيعرضها ، فجعل نصر الحاجب يطري ويقول للمقتدر إذا كانت هذه مراعاته بأمورك ولا تعلق له بخدمتك ، فكيف إذا اصطنعته وتستوزره . ابن مقلة
ولما رجع إلى بلده بنى دارا وسماها دار الهجرة ، ودعا إلى أبو طاهر القرمطي ، وتفاقم أمره وكثر أتباعه ، وحدثته نفسه بكبس المهدي الكوفة ، وهرب عمال السلطان في السواد ، وكان أصحابه يكبسون القرى فيقتلون وينهبون ، فبعث إلى [ ص: 273 ] محاربتهم المقتدر هارون بن غريب إلى واسط ، وصافي البصري إلى الكوفة فقتل هارون منهم جماعة ، وحمل مائة وسبعين رأسا وجماعة أسارى ، وأوقع صافي بمن خرج إليه واستأسر منهم وأدخلوا بغداد على الجمال مشتهرين ومعهم أعلام بيض منكسة ، وعليها مكتوب ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض الآية فقتلوا واستقام أمر السواد .
وزادت دجلة بغتة زيادة مفرطة قطعت الجسور ببغداد وغرق من الجسارين جماعة ، وبلغت زيادة الفرات اثني عشر ذراعا وثلاثين .