[ ص: 8 ] ذكر سبب قتل يحيى بن زكريا   
روى  الأعمش  ، عن المنهال  ، عن  سعيد بن جبير  ، عن  ابن عباس  ، قال: بعث عيسى بن مريم  يحيى بن زكريا  في اثني عشر من الحواريين  يعلمون الناس ، وكان فيما نهوهم عنه نكاح ابنة الأخ ، وكان لملكهم ابنة أخ تعجبه يريد أن يتزوجها ، وكان لها كل يوم حاجة يقضيها ، فبلغ ذلك أمها ، فقالت لها: إذا دخلت على الملك فسألك ما حاجتك ، فقولي: حاجتي أن تذبح لي يحيى  ، فقالت له: فقال: سلي غير هذا ، قالت: ما أسأل غيره . 
فدعا يحيى  ودعا بطست فذبحه ، فندرت قطرة من دمه على الأرض ، فلم تزل تغلي حتى بعث الله بخت نصر   [ عليهم ] فجاءته عجوز من بني إسرائيل  فدلته على ذلك الدم ، فألقى الله عز وجل في قلبه أن يقتل عليه حتى يسكن ، فقتل سبعين ألفا [ منهم ] فسكن  . 
وروى  الوليد بن مسلم  ، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي  ، عن مشيم مولى معاوية   : أن ملكا في بني إسرائيل  كانت له امرأة ، وكان لها بنية يحبها أبوها ، وكان لها عليه كل يوم حاجة ، فقالت لها أمها: إذا سألك ما حاجتك فقولي: رأس يحيى بن زكريا  ، فلما جاءته وسقته ووقفت بين يديه ، قال لها: ما حاجتك ؟ قالت: رأس يحيى بن زكريا  ، فزجرها وأغضبه ذلك ، فولت عنه ، فقال له من حوله من المنافقين: وما يحيى  وما رأس يحيى  ؟ فقال: ادفعوا إليها رأس يحيى   . 
فأتوه وإنه لقائم يصلي في ناحية كنيسة جيرون بدمشق  ، فاجتزوا رأسه فجعلوه في طبق ، وأمر بدفعه إلى جارية ابنته ، فولت به ذاهبة إلى أمها ، فلما كانت عند المطهرة  [ ص: 9 ] التي على درج دمشق  خسف بها ، فقيل لأمها: أدركي ابنتك ، فخرجت حاسرة عن وجهها حتى وقفت عليها وقد ذهبت الأرض بجثتها ، فلم يبق منها إلا رأسها ، فقالت: اجتزوا الرأس نغسله ونكفنه ونبكي عليه ، ففعلوا ، فلما صار بأيديهم نفضت الأرض الجثة فألقتها إليهم  . 
قال  الربيع بن أنس   : كانت للملك ابنة شابة ، فكانت تأتي أباها فتغني عنده ، حتى إذا أرادت الرجوع ، قال لها: سلي حاجتك ؟ وأن أمها رأت يحيى  قد أعطي حسنا وجمالا ، فأرادته على نفسه ، فأبى عليها ، فقالت له: إني قاتلتك أو تأتي حاجتي ، فقال: معاذ الله . فقالت لابنتها: إذا أتيت أباك الليلة فقال: سلي حاجتك ، فقولي: أسألك رأس يحيى   . 
فلما جاءت وقال: سلي حاجتك ، قالت: رأس يحيى  ، فقال: ارجعي إلى أمك فتأمرك بما هو خير لك من هذا . فرجعت إلى أمها فحدثتها ، فقالت: لا تسأليه إلا رأس يحيى   . فلما جاءت في الليلة الثانية فغنته ، قال: سلي حاجتك ، قالت: رأس يحيى   . 
فقال: ارجعي إلى أمك فتأمرك بما هو أنفع لك من هذا ، فرجعت إليها ، فقالت: لا تسأليه إلا رأس يحيى   . فلما جاءت في الليلة الثالثة فغنته ، قال: سلي حاجتك ، قالت: رأس يحيى  ، فقال: ارجعي إلى أمك فتأمرك بما هو أنفع لك من هذا . فرجعت إليها ، فقالت: لا تسأليه إلا رأس يحيى   . 
فقال: لك ما سألت ، فرجعت إلى أمها فرحة فأخبرتها . فأرسلت إلى يحيى  ،  [ ص: 10 ] فقالت: إني [ قد ] أعطيت رأسك إن لم تأت حاجتي ، فأبى عليها ، فقالت [ له ] إني ذابحتك . فذبحته ثم ندمت ، وجعلت تنادي: ويل لها ، ويل لها . حتى ماتت ، فهي أول امرأة تدخل النار  ، وأن الدم صار يغلي ولا يسكن ، وإن بخت نصر  جاز عليه فسأل عنه ، فقالوا: هذا دم يحيى بن زكريا  قتلته امرأة خيارهم  . 
وكان  عبد الله بن الزبير  يقول: من أنكر الباقلاني  لا أنكره ، لقد ذكر لي أنه إنما قتل يحيى بن زكريا  في زانية كانت جارة له  . 
وروى  يزيد بن هارون  ، عن سليمان التيمي  ، عن أسلم العجلي  ، عن  أبي هريرة  ،  وابن عمر  رضي الله عنهما: أن امرأة يقال لها:  " ربة "  قتلت يحيى بن زكريا  ، فأتيت برأسه في طست ، فأمرت الأرض فأخذتها  . 
وقال  عبد الله بن عمر   : وقتلت تلك المرأة في يوم سبعين نبيا ، وهي مكتوبة في التوراة: مقتلة الأنبياء ، وأنها على منبر في النار [ يسمع صراخها أقصى أهل النار ]  . 
أنبأنا محمد بن ناصر  ، قال: أنبأنا جعفر بن أحمد السراج  ، قال: أخبرنا أبو القاسم: عبد الله بن عمر بن شاهين  ، قال: حدثنا أبي ، قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن عقبة الأنصاري  ، قال: حدثنا أبو تمام  ، قال: حدثنا  عبد الله بن وهب  ، قال: أخبرني  ابن لهيعة  ، عن عمارة بن غزية  ، عن  عروة بن الزبير  ، قال: اسم المرأة التي قتلت يحيى بن زكريا   " أزبيل "  ، وأنها قتلت سبعين نبيا آخرهم يحيى بن زكريا   . 
 [ ص: 11 ] وروت فاطمة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:  " أن يحيى بن زكريا  عليهما السلام مكث في بني إسرائيل  أربعين سنة "  . قال  قتادة   : قتل بدمشق   . 
				
						
						
