، ولبويه قصة عجيبة وهي بداية أمورهم ، فلنذكرها : وفي هذه السنة : ارتفع أمر أبي الحسن علي بن بويه الديلمي
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز ، أنبأنا علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه ، حدثنا علي بن حسان الأنباري الكاتب ، قال : لما أنفذني معز الدولة من بغداد إلى ديلمان لأبني له دورا في بلدة منها ، قال لي : سل عن رجل من الديلم يقال له : أبو الحسين بن شيركوه ، فأكرمه واعرف حقه وأقرئه سلامي ، وقل له سمعت وأنا صبي بحديث منام كان أبي رآه وفسره هو وأنت على مفسر بديلمان ، ولم أقم عليه للصبي ، فحدثني به واحفظه لتعيده علي .
فلما جئت إلى ديلمان جاءني رجل مسلما ، فعلمت بأنه كان بينه وبين بويه والد الأمير صداقة فأكرمته وعظمته وأبلغته رسالة معز الدولة ، فقال لي : كانت بيني وبين بويه مودة وكيدة ، وهذه داره وداري متحاذيتان كما ترى ، وأومأ إليهما ، فقال لي . ذات يوم : إني قد رأيت رؤيا هالتني فاطلب لي إنسانا يفسرها لي ، فقلت : نحن هاهنا في مفازة فمن أين لنا من يفسر ، ولكن اصبر حتى يجتاز بنا منجم أو عالم فنسأله ، ومضى على هذا الأمر شهور فخرجت أنا وهو في بعض الأيام إلى شاطئ البحر نصطاد سمكا ، فجلسنا فاصطدنا شيئا كثيرا ، فحملناه على ظهورنا أنا وهو ، وجئنا فقال لي : ليس في داري من يعمله فخذ الجميع إليك ليعمل عندك ، فأخذته وقلت له : فتعال إلي لنجتمع عليه ، ففعل فقعدنا أنا وهو وعيالي ننظفه ونطبخ بعضه ونشوي الباقي ، وإذا رجل مجتاز يصيح منجم مفسر للرؤيا ، فقال لي : يا أبا الحسين تذكر ما قلته لك بسبب المنام رأيته فقلت : بلى ، فقمت وجئت بالرجل ، فقال له بويه : رأيت ليلة في منامي كأني جالس أبول ، فخرج من ذكري نار عظيمة كالعمود ، ثم تشعبت يمنة ويسرة وأماما وخلفا حتى ملأت الدنيا ، وانتبهت ، فما تفسير هذا ؟ فقال له : الرجل : لا أفسرها لك بأقل من ألف درهم [ ص: 340 ] قال : فسخرنا منه ، وقلنا له : ويحك نحن فقراء نخرج نصيد سمكا لنأكله والله ما رأينا هذا قط ولا عشره ، ولكنا نعطيك سمكة من أكبر هذا السمك ، فرضي بذلك ، وقال له : يكون لك أولاد يفترقون في الدنيا فيملكونها ويعظم سلطانهم فيها على قدر ما احتوت النار التي رأيتها في المنام عليه من الدنيا قال : فصفعنا الرجل ، وقلنا : سخرت منا وأخذت السمكة حراما ، وقال له : بويه ويلك أنا صياد فقير كما ترى وأولادي هم هؤلاء وأومأ إلى ، وكان أول ما اختط عارضه ، علي بن بويه والحسن وهو دونه ، وأحمد وهو فوق الطفل قليلا .
ومضت السنون وأنسيت المنام حتى خرج بويه إلى خراسان ، وخرج ، فبلغنا حديثه وأنه قد ملك علي بن بويه أرجان ، ثم ملك فارس كلها ، فما شعرنا إلا بصلاته قد جاءت إلى أهله وشيوخ بلد الديلم ، وجاءني رسوله يطلبني ، فطلبني فخرجت ومشيت إليه ، فهالني ملكه وأنسيت المنام وعاملني من الجميل والصلات بأمر عظيم ، وقال لي وقد خلونا : يا أبا الحسين تذكر منام أبي الذي ذكرتموه للمفسر وصفعتموه لما فسره لكم ، فاستدعى عشرة آلاف دينار فدفعها إلي وقال : هذا من ثمن تلك السمكة خذه ، فقبلت الأرض ، فقال لي : تقبل تدبيري ؟ فقلت : نعم ، قال : أنفذها إلى بلد الديلم ، واشتر بها ضياعا هناك ودعني أدبر أمرك بعدها ، ففعلت وأقمت عنده مدة ثم استأذنته في الرجوع ، فقال : أقم عندي فإني أقودك وأعطيك إقطاعا بخمسمائة ألف درهم في السنة ، فقلت له : بلدي أحب إلي ، فأحضر عشرة آلاف دينار أخرى فأعطاني إياها ، وقال : لا يعلم أحد فإذا حصلت ببلد الديلم فادفن منها خمسة آلاف استظهارا على الزمان ، وجهز بناتك بخمسة آلاف ، ثم أعطاني عشرة دنانير ، وقال : احتفظ بهذه ولا تخرجها من يدك ، فأخذتها فإذا في كل واحد مائة دينار وعشرة دنانير فودعته وانصرفت .
[ ص: 341 ]
قال أبو القاسم : فحفظت القصة فلما عدت إلى معز الدولة حدثته بالحديث فسر به وتعجب ، وكان بويه يكنى أبا شجاع ، وينسب إلى سابور ذي الأكتاف ، وأولاد بويه ثلاثة أكبرهم أبو الحسن علي ولقبه عماد الدولة ، وأبو علي الحسن ولقبه ركن الدولة ، وأبو الحسين أحمد ولقبه معز الدولة ، لقبهم بهذه الألقاب ، وكانوا فقراء ببلد المستكفي بالله الديلم .
ويحكي معز الدولة أنه كان يحتطب على رأسه ثم خدموا مرداويج ، وكان أبو الحسن علي بن بويه الديلمي أحد قواد مرداويج بن زيار الديلمي ، وقد ذكرنا حال مرداويج في سنة خمس عشرة وثلاثمائة ، وكان قد أنفذ عليا إلى الكرج يستحث له على حمل مال ، فلما حصل بها استوحش من مرداويج وأخذ المال المستخرج لنفسه ، وهو خمسمائة ألف درهم ، وصار إلى همدان فأغلقت أبوابها دونه ، ففتحها عنوة وقتل من أهلها خلقا كثيرا ثم صار [منها ] إلى أصبهان فدخلها وملكها ، فأنفذ إليه مرداويج جيشا فخرج منها إلى أرجان [فاستخرج منها [نحوا من ] مائتي ألف دينار ، وصار إلى كازرون وبلد سابور ] فاستخرج نحو خمسمائة ألف دينار مع كنوز كثيرة وجدها ، فزاد عدده وقويت شوكته ، وملك شيراز ، وطلب منه أصحابه المال ولم يكن معه ما يرضيهم ، فأشرف على انحلال أمره فاغتم ، واستلقى على ظهره مفكرا ، فإذا حية قد خرجت من سقف ذلك المجلس فدخلت موضعا آخر ، فدعا الفراشين ليبحثوا عنها ، فوجدوا ذلك السقف يفضي إلى غرفة بين سقفين ، فأمر بفتحها ففتحت ، فإذا فيها صناديق من المال والصياغات ما قيمته خمسون ألف دينار ، فأخذ المال وفرقه عليهم ، فثبت أمره وكان قد وصف [له خياط يخيط ] لبعض من كان يحاربه فأحضره ، وكان بالخياط طرش ، فظن أنه قد سعى به إليه ، فلما خاطبه في خياطة الثياب ، وكان جوابه : [ ص: 342 ]
والله ما لفلان عندي إلا اثنا عشر صندوقا ، فما أدري ما فيها ؟ فتعجب علي بن بويه من الجواب ووجه من حملها ، فوجد فيها مالا عظيما ، وكان قد ركب يوما وطاف في خرابات البلد يتأمل أبنية الأوائل وآثارهم ، فتهور تحت قوائم فرسه فاستراب بذلك الموضع ، وأمر بالكشف عنه ، فإذا مال عظيم .
ولما تمكن من البلد أراد أن يقاطع السلطان عنه ويتقلده من قبله ، فراسل الراضي بذلك ، فأجابه فضمنه بثمانية آلاف درهم خالصة للحمل بعد النفقات والمؤن ، فأنفذ إليه ابن مقلة خلعة ولواء ، وأمر أن لا يسلم إليه حتى يعطي المال [فتلقى الرسول فطالبه بالمال ] فخاشنه وأرهبه ، فأعطاه الخلع وبقي عنده مدة وهو يماطله بالمال حتى توفي الرسول . علي بن بويه
وهو أول الملوك الذين افتتحت بهم الدولة الديلمية ، وكان عاقلا سخيا شجاعا ، وتوفي علي بشيراز في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة .
وظهر ببغداد رجل يعرف بأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، ويعرف بابن أبي العزاقير ، وكان قد ظهر وحامد بن العباس في الوزارة ، وذكر عنه أنه يقول بتناسخ اللاهوت ، وأن اللاهوت قد حل فيه فاستتر ، ثم ظهر في زمان الراضي ، وقيل : إنه يدعي أنه إله فاستحضر بحضرة فأنكر ما ادعي عليه ، وقال : أنا أباهل من يدعي علي هذه المقالة ، فإن لم تنزل العقوبة على من باهلني بعد ثلاثة أيام وأقصاه بسبعة أيام فدمي لكم حلال ؟ فأنكر هذا القول عليه ، وقيل : يدعي علم الغيب ، وأفتى قوم بأن دمه حلال إلا أن يتوب من هذه المقالة ، فضرب ثمانين سوطا ثم قتل وصلب . الراضي