[ ص: 361 ] ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا الحسن علي بن محمد الكوكبي المعلم كان قد استولى على أمور السلطان كلها ، ومنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح في عاشوراء وتعليق المسوح ، ووقع من قبله أيضا بإسقاط جميع من قبل من الشهود بعد وفاة أبي محمد بن معروف ، وأن لا يقبل في الشهادة إلا من كان ارتضاه . وكان [ السبب في هذا أنه لما توفي ابن معروف كثر قبول الشهود بالبذل والشفاعات حتى بلغت ] عدة الشهود ثلاثمائة وثلاثة أنفس ، فقيل لأبي الحسن : متى تكلمت في هذا حصل لك منهم جملة ، فوقع بذلك ثم عاد ووقع بقبولهم في نصف صفر .
وفي هذا الشهر شرع أبو الحسن في حفر الأنهار المخترقة لأسواق الكرخ وما يتصل به ، وجبي من أرباب العقار مالا جزيلا .
الديلم والأتراك ] [ شغب
وفي يوم الاثنين لعشر بقين من جمادى الآخرة شغب الديلم والأتراك وخرجوا بالخيم إلى باب الشماسية ، وراسلوا بالشكوى من بهاء الدولة أبي الحسن بن المعلم وتعديد ما يعاملهم به وطالبوه بتسليمه إليهم ، وكان أبو الحسن قد استولى [ على الأمور ] ، والمقرب من قربه والمبعد من أبعده ، فثقل على كبار الجند أمره وقصر هو في مراعاة أمورهم ، وانضاف إلى ذلك ما يعامل به الديلم ، فضجوا وخرجوا ، فأجابهم السلطان بالتلطف ووعدهم بإزالة ما شكوه ، وأن يقتصر بأبي الحسن ابن المعلم على خدمته في خاصه ، ويتولى هو النظر في أمورهم والقيام بتدبيرهم . فأعادوا الرسالة بأنهم لا يقنعون [ ص: 362 ] بهذا القول ولا يرضون إلا بتسليمه . فأعاد الجواب بأنه يبعده عن مملكته إلى حيث يكون فيه مبقيا على مهجته راعيا لحقوق خدمته ، وقال: ما يحسن في أن أسلمه للقتل ، وقد طالت صحبته [ لي ] ، وإذا كفيتكم أمره فقد بلغتم مرادكم .
فكانت الرسالة الثالثة التوعد بالانحدار [ والمسير ] إلى شيراز ، وقال بكران لبهاء الدولة ، وهو كان المتوسط ما بينه وبين العسكر: أيها الملك إن الأمر على خلاف ما تقدره فاختر بين بقاء أبي الحسن أو بقاء دولتك ، فقبض عليه حينئذ وعلى أصحابه ، وأخذ ما كان في داره من مال وثياب وجوار وغلمان ، وأقام الجند على أنهم لا يرجعون من مخيمهم إلا بتسليمه .
فركب إليهم يوم الخميس لسبع بقين من الشهر ليسألهم الدخول والاقتصار على ما فعله به من القبض والاعتقال ، فلم يقم منهم أحد إليه ولا خدمه ، وعاد وقد أقاموا على المطالبة به وترك الرجوع إلا [ بعد ] تسليمه ، فسلم إلى أبي حرب شيرزيل ، وهو خال ، فسقي السم دفعتين ، فلم يعمل فيه ، فخنق بحبل الستارة ودفن بهاء الدولة بالمخرم ،
وفي ليلة الأحد الثالث من رجب سلم المخلوع إلى ، فأنزله حجرة من حجر خاصته ووكل به من يحفظه من ثقات خدمه ، وأحسن ضيافته ومراعاة أموره ، وكان يطالب [ من ] زيادة الخدمة بمثل ما كان يطالب به أيام الخلافة فتزاح علله في جميع ما يطلبه ، وأنه حمل إليه في بعض الأيام طيب من العطارين ، فقال: من هذا يتطيب القادر بالله أبو العباس ؟ قالوا: نعم ، فقال: قولوا له في الموضع الفلاني من الدار كندوج فيه طيب مما كنت أستعمله ، فأنفذ لي بعضه ، وقدم إليه يوما عدسية ، فقال: ما هذا ؟ ! قالوا: عدس وسلق ، فقال: أوقد أكل أبو العباس من هذا ؟ ! قالوا: نعم ، فقال: قولوا له: لما أردت أن تأكل عدسية لم اختفيت أيام هذا الأمير ؟ وما كانت العدسية تعوذك لو لم تتقلد الخلافة ، فعند ذلك أمر أن تفرد له جارية من طباخاته تحضر له ما يلتمسه كل يوم ، وقدم إليه في بعض الأيام تين في مراكز ، فرفسه برجله ، فقال: ما تعودنا أن يقدم بين أيدينا مسلوج ، وقدمت بين يديه في بعض الليالي شمعة قد احترق بعضها ، فأنكرها ، ودفعها إلى الفراش ، فحمل غيرها ، وكان على هذا الحال إلى أن توفي . القادر بالله
وكان قد قبض على وزيره بهاء الدولة أبي نصر سابور ، ثم أطلقه فالتجأ إلى البطيحة ، وأقام عند مهذب الدولة علي بن نصر خوفا من ابن المعلم إلى أن قبض بهاء [ ص: 363 ] الدولة على أبي القاسم علي بن أحمد الأبرقوهي الوزير ، ثم استدعى أبا نصر سابور من البطيحة في سنة اثنتين وثمانين ، وجمع بينه في الوزارة وبين أبي منصور بن صالحان ، فخلع عليهما في يوم الأحد تاسع شعبان ، وكانا يتناوبان في الوزارة .
وفي يوم الجمعة ثامن عشر شوال تجددت الفتنة في الكرخ فركب أبو الفتح محمد بن الحسن الحاجب وقتل وصلب ، فسكن البلد وقامت الهيبة .
وفي ليلة الاثنين لتسع بقين من شوال ولد الأمير أبو الفضل محمد بن القادر بالله وأمه أم ولد اسمها علم ، وهو الذي جعل ولي العهد ولقب الغالب بالله ،
وفي هذا الوقت غلب الأسعار وبيع الرطل من الخبز بأربعين درهما والحوزة بدرهم .
وفي ذي القعدة ورد صاحب الأصيفر الأعرابي وبذل الخدمة في تسيير الحجاج إلى مكة وحراستهم صادرين وواردين ، وأعيد إقامة الخطبة للخليفة من حد القادر اليمامة والبحرين إلى الكوفة فقبل ذلك منه وحمل إلى خلعة ولواء .