ذكر قصة شيرين
وذكر أهل العلم بالسير: أن شيرين ولدت بالمدائن ، وكانت يتيمة في منزل رجل من الأشراف ، وكان أبرويز صغيرا يدخل منزل هذا الرجل فيلاعب شيرين ويمازحها وتمازحه ، فأخذت في قلبه موضعا ونهاها الذي هي في منزله عن التعرض لأبرويز ، ثم رآها [يوما] قد أخذت من أبرويز خاتما كان في أصبعه ، فقال: ألم آمرك بترك التعرض لهذا الصبي ، ولا تعرضينا للهلكة . ثم أمر بعض من يثق به أن يحملها إلى شاطئ الفرات ويغرقها ، فحملها إلى شاطئ الفرات ليغرقها فقالت له: ما الذي ينفعك من غرقي؟ فقال لها: إني قد حلفت لمولاي ولا بد فقالت: فما عليك أن تأتي موضعا من الفرات فيه ماء رقيق فتقذف بي فيه ، وتتركني وتمضي ، فإن نجوت لم أظهر ما دمت باقية لم يكن عليك شيء . قال: أفعل ذلك . فأتى موضعا فيه الماء إلى الركبة ، فزجها فيه وتركها تضطرب ، ثم ولى [عنها] لا يلتفت . ثم وافى مولاه فأخبره ، وحلف له أنه [ ص: 307 ] غرقها ثم أنها خلصت من الماء ، فأتت بعض الديارات التي على شاطئ الفرات ، فآوت إليه ، وأعلمت الرهبان أنها قد وهبت نفسها لله تعالى ، فأحسنوا إليها ، فلما استقر الملك لأبرويز بعد أبيه هرمز وجه برسله إلى قيصر ، فاجتاز الرسل بالدير ، فسألت شيرين عن ذلك ، فأعلمت أن القوم رسل أبرويز الملك ، ومعهم هدايا إلى قيصر ، وأخبروها بملكه وما آل إليه أمره ، فوجهت إلى رئيس الرسل متنصحة له تخبره أنها أمة الملك أبرويز ، وسألته إيفاد رسول إليه تخبره بمكانها ، ووجهت [معه] بذلك الخاتم فأنفذ الرجل رسوله قاصدا إلى الملك يخبره خبر شيرين ومكانها والخاتم ، فلما ورد الرسول على أبرويز أمر للرسول بمال عظيم ، وجعل له رتبة جليلة ببشارته ، ووجه معه بخدم ومراكب وهوادج وكساء وحلي وطيب ووصائف ، حتى أتوه بشيرين ، فورد عليه من الفرح ما لم يفرح بشيء مثله ، وكانت من أكمل النساء كمالا وجمالا وبراعة ، وذكر أبرويز أنه ما جامعها قط إلا وجدها كالعذراء ، وكان قد شرط على نفسه أن لا يأتي حرة ولا أمة مرة واحدة إلا أتاها قبل [ذلك] ، وعهد كل واحد لصاحبه أن لا يجتمع مع أحد لباضعه ، فلما هلك أبرويز أرادها شيرويه فأبت ، وعرفته العهود فرماها بكل معضلة من الفجور ، وبعث الشعراء على ذمها ، فلما لج ، ولم يجد عنه محيدا بعد أن غصبها جميع مالها وضياعها ، فقالت: أفعل ما سألت بعد أن تقضي لي ثلاث حوائج: ترد علي أموالي وضياعي ، وتسلم لي قتلة زوجي ، وتدعو العظماء والأشراف فترقى المنبر فتبرئني مما قذفت به من الفجور . [ ص: 308 ]
ففعل ذلك ، فقتلت قتلة زوجها بأفحش قتل [ووقفت ضياعها ، وفرقت مالها في أهل الحاجة] فقال لها: هل بقيت لك حاجة؟ فقالت: نعم ، إن الملك أودعني وديعة وجعلها أمانة في عنقي إن أنا تزوجت أن أردها إليه ، فتأمر بفتح الناووس حتى أدفعها إليه . ففتح لها الناووس ، فدخلت وقلعت فص خاتم في يدها تحته سم ساعة فمصته ، ثم اعتنقت أبرويز ولفت عليه يديها ورجليها حتى ماتت ، فلما أبطأت على الحواضن والخدم صاحوا بها فلم تجب ، فدخلوا فوجدوها ميتة معانقة لأبرويز فأخبروا شيرويه فندم ندامة لا توصف ، وجعل يأكل أصابعه على صنيعها .