باب ذكر إبليس لعنه الله 
اختلف العلماء ، هل كان من الجن أو من الملائكة  على قولين . 
أحدهما: أنه كان من الملائكة وأعظمهم قبيلة . وإن من الملائكة قبيلة يقال لهم الجن ، وكان منهم ، وكان [له] سلطان سماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض يسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى فمسخه الله شيطانا رجيما . 
وروى الضحاك  ، عن  ابن عباس  ، قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال له الجن خلق من نار السموم من بين الملائكة ، وخلق الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي ، وخلق الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، وأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، وقتل بعضهم بعضا ، فبعث الله -عز وجل- إليهم إبليس في جند من الملائكة يقال لهم الجن ، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ، فلما فعل ذلك اغتر في نفسه ، فقال: لقد صنعت شيئا لم يصنعه أحد  . 
وقال  السدي  ، عن أشياخه: كان إبليس على ملك السماء الدنيا ، وكان [مع] ملكه خازنا ، فوقع في صدره كبر ، وقال: ما أعطانا الله هذا إلا لمزية على الملائكة .  [ ص: 177 ] 
وحكى  أبو جعفر الطبري  أن إبليس بعث حكما يقضي بين الجن في الأرض فقضى بينهم بالحق ألف سنة فسمي حكما ، فدخله الكبر فألقي بين الذين كان حكم بينهم العداوة والبغضاء حتى اقتتلوا ، فبعث الله -عز وجل- عليهم [نارا] فأحرقتهم ، فعرج السماء ، وأقام عند الملائكة يعبد الله إلى أن خلق آدم   . 
والقول الثاني: إنه كان من الجن . قال الحسن   : لم يكن إبليس من الملائكة قط . 
وقال  شهر بن حوشب   : كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء . 
وقال سعد بن مسعود   : كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس ، وكان صغيرا ، وكان مع الملائكة يتعبد معها ، فلما أمروا أن يسجدوا سجدوا وأبى إبليس   . 
وروى  سعيد بن جبير  ، عن  ابن عباس  ، قال: كان إبليس اسمه عزازيل ، ثم إبليس بعد  . 
وقال  ابن جريج   : كان اسم إبليس في السماء الحارث . 
وقد روى  ثور بن يزيد  ، عن  خالد بن معدان  ، قال: خلق الله إبليس من مارج من نار ، فلما خلق علق في الهواء ، فقال: يا هواء إن كنت فوقي فارفعني إليك ، وإن كنت أسفل مني فأهبطني إليك . فنودي: إن الله بكل مكان ومع كل إنس وجان ، فاصطكت أسنانه ، وخرج من فيه شرر خلق من كل شررة شيطان مخلد  . 
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان  ، قال: أخبرنا أحمد بن أحمد الحداد  ، قال: أخبرنا  أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ  ، قال: حدثنا أبي  ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أبان  ، قال: حدثنا أبو بكر بن عبيد  ، قال: حدثنا يحيى بن عثمان  ، قال: حدثنا بقية  ، عن سفيان  ، قال: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام  إن أول من مات إبليس ، وذلك أنه أول من عصاني ، وأنا أعد من عصاني من الموتى .  [ ص: 178 ] 
أنبأنا إسماعيل بن أحمد  ، قال: أخبرنا عاصم بن الحسن  ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران  ، قال: حدثنا  ابن صفوان  ، قال: حدثنا أبو بكر القرشي  ، قال: حدثنا الحسن بن يحيى العبدي  ، قال: أخبرنا  عبد الرزاق  ، قال: أخبرنا  معمر  ، عن  قتادة  ، قال: لما أهبط إبليس ، قال: يا رب قد لعنته فما عمله؟ قال: السحر ، قال: فما قرآنه ، قال: الشعر ، قال: فما كتابه؟ قال: الوشم ، قال: فما طعامه؟ قال: كل ميتة وما لم يذكر اسم الله ، قال: فما شرابه؟ قال: كل مسكر ، قال: فأين مسكنه؟ قال: الحمام ، قال: فأين مجلسه؟ قال: الأسواق ، قال: فما مؤذنه؟ قال: المزمار ، قال: فما مصائده؟ قال: النساء  . 
قال القرشي:  وحدثنا بشير بن الوليد الكندي  ، قال: حدثنا محمد بن طلحة  ، عن زبيد  ، عن  مجاهد  ، قال: لإبليس خمسة من ولده قد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره ، ثم سماهم فذكر بترو ، والأعور ، ومسوط ، وداسم ، وزلنبور . 
فأما بتر فهو صاحب المصيبات الذي يأمر بشق الجيوب ، ولطم الخدود ، ودعوى الجاهلية . وأما الأعور فهو صاحب الزنا ، يأمر به ويزينه . وأما مسوط فهو صاحب الكذب الذي يسمع فيلقي فيخبره بالخبر فيذهب الرجل إلى القوم فيقول لهم: قد رأيت رجلا أعرف وجهه ، وما أدري ما اسمه حدثني بكذا وكذا ، وما هو الأمر . 
وأما داسم فهو الذي يدخل إلى أهله يريه العيب فيهم ويبغضه عليهم . 
وأما زلنبور فهو صاحب السرقى الذي يركز رايته في السوق ، ولا يزالون ملتطمين  .  [ ص: 179 ] 
وقال حوشب بن سيف  ، قال: اسم الشيطان الذي يفتن الناس في الأسواق فنحواص . 
وقد روى سيف  ، عن  مجاهد  أن إبليس نكح نفسه فباض خمس بيضات ، فهم أولاده  . وهذا من أبعد الأقوال . 
وقال عكرمة   : من أولاد إبليس القعقاع  . 
أخبرنا هبة الله بن محمد  ، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي  ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر  ، قال: حدثنا  عبد الله بن أحمد  ، قال: حدثني أبي  ، قال: حدثني محمد بن المثنى  ، قال: حدثنا أبو داود  ، قال: حدثنا خارجة بن مصعب  عن يونس بن عبد  ، عن الحسن  ، عن عتي  ، عن أبي  ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، قال:  "للوضوء شيطان يقال له الولهان ، فاتقوه - أو قال: فاحذروه"   . 
قال  أبو الحسين بن المنادي   : وقد قيل إن أحد الشياطين يجيء في صورة طائر يقال له القرقصية يخفق بجناحه على عين الرجل الذي يقر على أهله الفاحشة فلا ينكر بعد ذلك عليها .  [ ص: 180 ] 
				
						
						
