ثم خرج خالد من المصيخ ، فبدأ بالثني ، فبيت أهله وسبى ، وبعث بخمس الله إلى أبي بكر ، فاشترى رضي الله عنه علي بن أبي طالب الصهباء ابنة ربيعة بن بجير ، فاتخذها فولدت له عمرا ورقية .
وكان خالد قد بعث بالمثنى إلى العراق ، فأغار على سوق فيها جمع لقضاعة ، وهي مكان بغداد اليوم وطعن خالد في البر ، وأراد أن يمضي من قراقر إلى سواء ، وهما ماءان لكلب ، فخاف الضلال ، فدلوه على رافع بن عمرو الطائي ، وكان هاديا ، فقال لخالد: إن الراكب المنفرد ليخاف على نفسه في هذه المفازة ، وما يسلكها إلا مغرور ، وأنت معك أثقال ، فقال: لا بد أن أسلكها ، فقال رافع: من استطاع منكم أن يصير أذن راحلته على ماء فليفعل ، ثم قال: ابغني عشرين جزورا عظاما سمانا ، فأتى بها فأظمأهن حتى أجهدهن عطشا ، ثم سقاهن من الماء حتى أرواهن ، ثم قطع مشافرهن ، ثم جمعهن حتى لا يحترزن فيفسد الماء في أجوافهن ، ثم قال لخالد: سر ، فسار فكلما نزلوا نحر من تلك الجزور أربعا فأخذ ما في بطونهن من الماء فسقاه الخيل وشرب الناس مما تزودوا ، حتى إذا كان صبيحة اليوم السادس نحر الجزر كلها قال خالد لرافع: ويحك ما عندك؟ قال: أدركت الري إن شاء الله .
وكان رافع يومئذ أرمد ، فقال: انظروا ، هل ترون شجر عوسج على ظهر الطريق؟
قالوا: لا ، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ، قد والله إذن هلكت وأهلكت ، لا أبا لكم انظروا ، فما زوال يطلبونها حتى رأوها ، فقال: التمسوا قربها ماء ، فنظروا فوجدوا عينا [ ص: 110 ] فشربوا وارتووا ، فقال رافع: ما سلكتها قط إلا مع أبي وأنا غلام ، فقال بعض المسلمين في ذلك ارتجازا:
لله در خالد أنى اهتدى في زمن قراقر إلى سوى خمسا إذا ما ساره الجيش بكى
ما سارها قبلك إنسان أرى عند الصباح يحمد القوم السرى
قال: فأغار خالد على ناس من ثعلب وبهرا وعلى غسان .