وفيها الأهواز ومناذر ونهر تيري فتحت سوق
وبعضهم يقول: إنما كان ذلك في سنة ست عشرة
وفيها فتحت تستر
وبعضهم يقول: في سنة تسع عشرة
وفيها كان رامهرمز والسوس وفيها أسر فتح الهرمزان
[أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل ، قالا: أخبرنا ابن النقور ، قال: أخبرنا [ ص: 233 ] قال: أخبرنا المخلص ، أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا شعيب ، قال: حدثنا سيف ] ، عن محمد ، وطلحة ، والمهلب ، وعمرو ، قالوا:
لم يزل يزدجرد يثير أهل فارس أسفا على ما خرج منهم ، فكتب إليهم وهو بمرو ويذكرهم الأحفاد ويؤنبهم ، أن قد رضيتم يا أهل فارس أن قد غلبتكم العرب على السواد وما والاه والأهواز . ثم لم يرضوا بذلك حتى يوردوكم في بلادكم وعقر داركم ، فتحركوا ، وتكاتب أهل فارس وأهل الأهواز وتعاهدوا وتواثقوا على أهل البصرة ، فكتب إلى بذلك ، فكتب عمر إلى عمر سعد : أن ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع وعجل وابعث معه النعمان بن مقرن ، سويد بن مقرن ، فلينزلوا بإزاء وجرير بن عبد الله ، الهرمزان حتى يتبينوا أمره . وكتب إلى أبي موسى : أن ابعث إلى الأهواز جندا كثيفا ، وأمر عليهم سهل بن عدي ، وابعث معه في جماعة سماهم ، وعلى البراء بن مالك أهل الكوفة وأهل البصرة جميعا أبا سبرة بن أبي رهم ، فكل من أتاه فمدد له .
وخرج في النعمان بن مقرن أهل الكوفة ، فأخذ واسط السواد حتى قطع دجلة بحيال ميسان ، ثم أخذ البر إلى الأهواز ، فانتهى إلى نهر تيري فجازها ، ثم جاز مناذر ، ثم جاز سوق الأهواز ، ثم سار نحو الهرمزان -والهرمزان يومئذ برامهرمز - ولما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره ، فالتقيا فاقتتلا قتالا شديدا ، ثم إن الله تعالى هزم الهرمزان فلحق بتستر . وسار النعمان حتى نزل برامهرمز ، وكان الهرمزان قد صالح المسلمين ، ثم نكث ، فحاصره المسلمون فأكثروا فيهم القتل . وقتل فيما بين أول ذلك الحصار إلى أن فتح الله على المسلمين مائة مبارزة ، وزاحفهم المسلمون في أيام تستر ثمانين مرة في حصارهم ، حتى إذا كان في آخر زحف منها واشتد القتال ، قال المسلمون: يا براء ، أقسم على ربك ليهزمنهم لنا ، فقال: اللهم اهزمهم لنا واستشهدني ، فهزموهم حتى أدخلوهم في خنادقهم ، ثم اقتحموها عليهم ، وأرزوا إلى مدينتهم وأحاطوا بها . فبينا هم على ذلك خرج إلى النعمان رجل فاستأمنه على أن يدله [ ص: 234 ] على مدخل يؤتون منه ، فآمنه فدلهم ، فأقبلوا إلى ذلك المكان ، فأناموا كل مقاتل ، وأرزؤوا البراء بن مالك الهرمزان إلى القلعة ، وأطافوا به ، فقال: معي مائة نشابة ، والله لا تصلون إلي ما دامت معي منها واحدة ، قالوا: تريد ماذا؟ قال: أن أضع يدي في أيديكم على حكم عمر يصنع بي ما يشاء ، قالوا: فلك ذلك ، فرمى قوسه فأمكنهم من نفسه ، فشدوه وثاقا ، واقتسموا ما أفاء الله عليهم ، وكان سهم الفارس فيها ثلاثة آلاف ، والراجل ألفا .
وخرج من تستر فل فقصدوا السوس ، فاتبعهم أبو سبرة ، وخرج معه بالنعمان وأبي موسى والهرمزان ، فلما أحاطوا به كتبوا بذلك إلى ووفد عمر ، أبو سبرة وفدا إلى عمر فيهم أنس بن مالك ، والأحنف بن قيس ، وأرسل الهرمزان معهم ، فلما دخلوا المدينة هيئوا الهرمزان في هيئته ، فألبسوه كسوته ، ووضعوا على رأسه التاج ، فوجدوا عمر نائما في جانب المسجد ، فقال الهرمزان: أين عمر؟ قالوا: ها هو ذا ، قال: أين حراسه وحجابه ، قالوا: ليس له حارس ولا حاجب ، قال: فينبغي أن يكون نبيا ، قالوا: بل يعمل عمل الأنبياء .
واستيقظ عمر ، فقال: الهرمزان؟ قالوا: نعم هذا ملك الأهواز فكلمه ، فقال: لا حتى لا يبقى من حليه شيء ، فرموا ما عليه وألبسوه ثوبا صفيقا ، فقال عمر: يا هرمزان ، كيف رأيت وبال الغدر؟ فقال: يا عمر ، إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم ، فغلبناكم إذا لم يكن معنا ولا معكم ، فلما كان معكم غلبتمونا . فقال عمر: ما عذرك [وما حجتك] في انتقاضك مرة بعد مرة؟ فقال: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك ، قال: لا تخف ذلك ، واستسقى ماء فأتي به في قدح غليظ ، فقال: لو مت عطشا لم أستطع أن أشرب في هذا ، فأتي به في إناء يرضاه ، فجعلت يده ترعد ، وقال: إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب الماء ، فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشربه ، فأكفأه ، فقال عمر: أعيدوا عليه ، ولا تجمعوا عليه القتل والعطش ، فقال: لا حاجة لي في الماء ، إنما أردت أن أستأمن به ، فقال له عمر: إني قاتلك ، قال: قد أمنتني ، قال: كذبت ، فقال أنس: صدق يا أمير المؤمنين ، قد أمنته ، قال: ويحك يا أنس ، أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك ، والله لتأتين بمخرج أو لأعاقبنك ، قال: قلت له: لا بأس عليك [ ص: 235 ] حتى تخبرني ، وقلت: لا بأس عليك حتى تشربه ، وقال له من حوله مثل ذلك ، فأقبل على الهرمزان ، وقال/: تخدعني ، والله لا أنخدع إلا أن تسلم ، فأسلم . ففرض له على ألفين ، وأنزله المدينة .