ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين
فمن الحوادث فيها:
فتح إصطخر [وتوج]:
قال أبو معشر : كانت فارس الأولى ، وإصطخر الآخرة سنة ثلاث وعشرين ، وكانت فارس الآخرة سنة تسع وعشرين . وفي سنة ثلاث وعشرين وقعة فسا ودارابجرد .
[أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا: أخبرنا ابن النقور قال: أخبرنا قال: أخبرنا المخلص ، أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا السري بن يحيى قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف ] عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو ، قالوا: قصد سارية بن زنيم فسا ودارابجرد فحاصرهم ، فتجمعت إليه أكراد فارس ، فدهم المسلمين أمر عظيم ، ورأى عمر في ليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في ساعة من النهار ، فنادى من الغد: الصلاة جامعة . حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم ، وكان أريهم [والمسلمون] بصحراء ، إن أقاموا بها أحيط بهم ، وإن أرزوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد ، فقام فقال: أيها الناس ، إني أريت هذين [ ص: 325 ] الجمعين -وأخبر بحالهما- ثم قال: يا سارية ، الجبل [الجبل] . ففعلوا ، وقاتلوا القوم من وجه واحد ، فهزمهم الله عز وجل ، وكتبوا بذلك إلى عمر .
[وحدثنا سيف ، عن أبي عمر دثار بن أبي شبيب ، عن عثمان] وأبي عمرو بن العلاء ، عن رجل من بني مازن قال: كان قد بعث عمر سارية بن زنيم إلى فسا ودارابجرد ، فحاصرهم ، ثم إنهم تداعوا فأصحروا وأتوه من كل جانب ، فقال عمر وهو يخطب في يوم جمعة: يا سارية بن زنيم ، الجبل الجبل . ولما كان ذلك اليوم [و] إلى جنب المسلمين جبل ، إن لجئوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه [واحد] ، فلجئوا إلى الجبل ، ثم قاتلوهم فهزموهم ، وأصاب مغانمهم ، وأصاب في المغانم سفطا فيه جوهر ، فاستوهبه من المسلمين لعمر ، فوهبوه له ، فبعث به [مع] رجل ، وبالفتح .
وكان الرسل والوفد يجازون وتقضى لهم حوائجهم . فقال له سارية: استقرض ما تبلغ به وتخلفه لأهلك على جائزتك . ففعل ، ثم خرج فقدم على عمر ، فوجده يطعم لناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره ، فقال: اجلس . فجلس حتى إذا أكل [القوم] انصرف عمر ، وقام فاتبعه ، فظن عمر أنه لم يشبع ، فقال حين انتهى إلى باب داره: ادخل . فلما جلس في البيت أتى بغدائه: خبز وزيت وملح جريش: فوضع فقال: ألا تخرجين يا هذه فتأكلين؟ قالت: [إني] لأسمع حس رجل ، فقال: أجل . فقالت:
لو أردت [أن] أبرز [للرجال] لاشتريت لي غير هذه الكسوة . فقال: أو ما ترضين أن يقال: وامرأة عمر! فقالت: ما أقل غناء ذلك عني! ثم قال للرجل: [ ص: 326 ] أم كلثوم بنت علي
ادن فكل . فلما أكلا وفرغا قال: أنا رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين . قال: مرحبا وأهلا . فأدناه حتى مست ركبته ركبته ثم سأله عن [المسلمين ، ثم سأله عن] سارية بن زنيم ، فأخبره بقصة الدرج ، فنظر إليه ثم صاح به: لا ، ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجند فتقسمه بينهم . فطرده . فقال: يا أمير المؤمنين ، إني قد أنضيت إبلي ، واستقرضت على جائزتي ، فأعطني ما أتبلغ به ، فما زال [به] حتى أبدله بعيرا ببعيره من إبل الصدقة ، وأخذ بعيره فأدخله في إبل الصدقة ، ورجع الرسول محروما حتى دخل البصرة ، قد سأله أهل المدينة عن سارية ، وعن الفتح ، وهل سمعوا شيئا يوم الوقعة؟ فقال: نعم ، سمعنا "يا سارية الجبل" وقد كدنا نهلك فألجأنا إليه ، ففتح الله علينا .
[أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا قال: أخبرنا ابن حيويه ، أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر قال:] حدثني أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه [ وأبي سليمان ، عن يعقوب قالا]: يوم الجمعة إلى الصلاة ، فصعد إلى المنبر ، ثم صاح: يا عمر بن الخطاب سارية بن زنيم ، الجبل . يا سارية بن زنيم ، الجبل ، ظلم من استرعى الذئب الغنم . ثم خطب حتى فرغ فجاء كتاب سارية بن زنيم إلى عمر أن الله فتح علينا يوم الجمعة لساعة كذا وكذا -لتلك الساعة التي خرج فيها عمر ، فتكلم على المنبر- قال سارية: سمعت صوتا "يا خرج سارية بن زنيم الجبل ، ظلم من استرعى الذئب الغنم" ، فعلوت بأصحابي الجبل ، ونحن قبل ذلك في بطن وادي ونحن محاصرو العدو ، وفتح الله علينا . فقيل رضي الله عنه: ما ذلك الكلام؟ فقال: والله ما ألقيت له إلا بشيء أتى على لساني . لعمر بن الخطاب